يعرف المسيحيون في الأراضي الفلسطينية جيدًا ما يكنه اليهود المتطرفون لديانتهم ومقدساتهم وقادتهم الدينيين، لقد اعتادوا على حوادث حرق الكنائس، وعلى قراءة الشعارات المعادية التي تطالب بذبحهم، وتنعتهم بألفاظ سيئة، وكذلك البصق على الرهبان في شوارع القدس، فيما يبدو الأكثر خبثًا هو العمل على نهب ممتلكات الأوقاف المسيحية في مدينة القدس على وجه التحديد، تلك المدنية التي أُعلنت عاصمة لإسرائيل إرضاءً للإنجيليين الأمريكيين، يحدث ذلك مع استمرار خروج فتاوى الحاخامات التي تجيز ذبح المسيحيين وحرقهم؛ لأن يسوع «أفسد إسرائيل وهدمها» حسب الديانة اليهودية.
الإنجيلية واليهود المتطرفون «حب غير متبادل»
في السادس من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يظهر الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» مباشرة أمام جموع من المسؤولين والإعلاميين، كل شيء رتب بعناية، شجرة عيد الميلاد بجواره، وأخريات قد زينت بها جميع أنحاء البيت الأبيض، جلس في هذه الأجواء ليقول إن «الوقت قد حان أن نعلن رسميًّا الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل».
تحمل هذه الأجواء الشكلية رسالة قوية إلى الناخبين الإنجيليين المسيحيين وقادتهم، كما تقول كاتبة عمود في جريدة «هآرتس» الإسرائيلية، أليسون كابلان سومر، مفاد هذه الرسالة أن: «هذا هو انتصارهم وترامب هو رجلهم»، وتؤكد الكاتبة أن ترامب بذلك أظهر أنه وراء الأجندة الإنجيلية، ليس فقط في قضايا أمريكية محلية؛ بل إنه أيضًا رجل القضايا السياسة الخارجية القريبة من قلبهم.
ويجري الحديث عن أن «رد الجميل» -من ترامب للناخبين الإنجيليين الذي دعموه أعلى من أي مرشح سابق للرئاسة الأمريكية- هو السبب في إعلانه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فقد استمر «ترامب» في تأكيد أنه يفعل الكثير من أجل «الله» أو من أجل رضا « الإنجيلية الصهيونية»، فقال في خطاب له في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي: «نحن لا نعبد الحكومة؛ بل نعبد الله»، هذه الإنجيلية التي تلعب مدينة القدس دورًا محوريًّا في معتقداتها اللاهوتية، وهي معتقدات تعرف بــ«آخر الزمان»؛ ولذلك يسافر الإنجيليون الذين يصفون أنفسهم بـ«أحباء إسرائيل» أو «المسيحيين الصهاينة»، باستمرار إلى إسرائيل ويتطوعون في المستوطنات، ويعملون فقط مقابل الحصول على الطعام والإقامة.
وشهد العقد الأخير تقاربًا ملحوظًا بين القيادة الإنجيلية والقادة الإسرائيليين بعيدًا عن الأعين، هذا التقارب أو التحالف كما يسميه الإسرائيليون أحدث تأثيرًا للمنظمات المسيحية في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، فالموارد المالية الهائلة لها دورها في العمليات الدبلوماسية المصيرية، التي كان آخرها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وعلى الرغم من دور الجماعات المسيحية الإنجيلية الأمريكية الداعم لإسرائيل، إلا أن معظم المرجعيات الدينية اليهودية ترفض أي علاقة معهم؛ بل تطالب –من أمثال الحاخام شلومو أفنير- بعدم السماح للإنجيليين بـ«تدنيس المستوطنات»، وقاطع بعض النخب الزيارات التي تنظم لهم إليها؛ بل ذهب رئيس منظمة (لهافا) المتطرفة «بنتسي غوبشتين»، إلى القول إن إقامة دولة إسرائيل هو «أكبر صفعة رنانة تلقتها الكنيسة على وجهها على الإطلاق بعد سنوات من محاولات فاشلة لإبادة اليهود» حسب وصفه.
تدمير وتخريب الكنائس.. نهج المستوطنين والجيش الإسرائيلي
واحدة من أكبر الاعتداءات الإسرائيلية التي نالت من الكنائس في فلسطين، هو ما تعرضت له كنيسة الطابغة (كنيسة السمك والخبز) الواقعة على الضفاف الشمالية لبحيرة طبريا في عام 2015، لقد أضرمت النيران في أبوابها فجرًا محدثة أضرارًا جسيمة في الكنيسة الأثرية، حرقت قاعة الصلاة، وكتب الإنجيل، وألحقت أضرارًا بالصلبان المرفوعة في فناء الكنيسة، حدث ذلك بغية «تغيير نظام الحكم وتقريب الخلاص، عن طريق جملة من الوسائل، بينهم المس بالمواقع المسيحية في أنحاء البلاد»، كما قال المتطرف اليهودي «يانون رؤوفيني» مرتكب حادثة حرق الكنيسة الأساسي.
وبقيت الأخبار الإعلامية حول الاعتداءات ضد المقدسات المسيحية خاصة فقط بالمتطرفين اليهود الذين يرتكبون هذه الأفعال، حتى خرج في العام الماضي كتاب إسرائيلي يضم وثائق تؤكد أن الجيش الإسرائيلي عمد إلى انتهاج سياسة تقوم على تدمير الكنائس وتخريبها والمس بها في فلسطين عشية حرب عام 1948 وخلالها وبعدها.
ويتناول الكتاب الصادر عن «مؤسسة إحياء ذكرى موشيه شاريت»، حقائق حول عمليات تخريب وسطو ممنهجة تمت داخل الكنائس، وامتدت لأشهر بعد احتلال عام 1948 للأراضي الفلسطينية على يد الضباط والجنود، وعموم المستوطنين، وتحديدًا على يد المهاجرين الجدد، وينقل الكتاب شهادة «موشيه شاريت» الذي كان وزيرًا للخارجية آنذاك، إذ قال: «الضباط والجنود تعمّدوا المس بمقّدسات المسيحية، سلوكهم يصدر فقط عن وحوش وليس عن بني بشر، تعمّدوا تحويل الكنائس إلى دورات مياه لقضاء حاجاتهم».
ويضيف الكتاب حسب صحيفة «هآرتس» أن: «الجنود سرقوا من إحدى الكنائس تاجًا مصنوعًا من الأحجار الكريمة قيمته كبيرة جدًا، كما كسروا يد تمثال للمسيح في إحدى الكنائس لسرقة سوار من ذهب كانت تلفه، لقد تعمد الضباط والجنود الإسرائيليون التعرّض لقدسية الكنائس وتمزيق كتب مقدسة».
المتطرفون اليهود لا يريدون المسيحية في القدس
«لا مكان لعيد الميلاد في الأراضي المقدسة، لا ينبغي منح العمل التبشيري موطئ قدم، لنلقي بمصاصي الدماء خارج أرضنا قبل أن يقوموا بشرب دمنا مرة أخرى»، جزء مما كتبه رئيس منظمة (لهافا) المتطرفة «بنتسي غوبشتين»، كتب ذلك في مقال له على موقع «كوكر» الحاريدي شاكيًا من «فقدان الأمن الروحي» الذي يشعر به في القدس بسبب «عدونا
القاتل منذ قرون، الكنيسة المسيحية».
تخص العديد من اعتداءات اليهود المتطرفين الأماكن والشخصيات المسيحية في مدينة القدس المحتلة، ويتم حرق الكنائس فيها، حدث ذلك في كنيسة «جبل صهيون» بعدما كُتبت شعارات معادية للنبي عيسى -عليه السلام- على جدران الكنيسة، وكذلك الاعتداء على كنيسة «رقاد العذراء البندكتانية الألمانية» في يناير (كانون الثاني) 2016، إذ خطت على أبواب الكنيسة وجدرانها عبارات من قبيل «الموت للمسيحيين أعداء إسرائيل»، و«ليُمحى اسم وذكرى يسوع»، و«انتقام شعب إسرائيل قادم»، ورافق أعمال التدنيس رسم «نجمة داود»، فيما استيقظ أهالي حارة النصارى وحي الأرمن في البلدة القديمة وقتها على صوت رقصات متطرفين يهود في الحي، أما في الاعتداء على ذات الكنيسة في عام 2013، فكتبت عبارات مغايرة على جدران المقبرة التابعة للكنيسة، ومنها: «المسيحيون عبيد»، و«المسيحيون قردة».
حدث ذلك بعد أيام من تدنيس مقبرة «دير السالزيان» في بيت جمال، ففي المقبرة كسرت عشرات الصلبان، وكتبت شعارات معادية للمسيحية على القبور، ويتعرض الكهنة والرهبان في القدس لاعتداءات مهينة من قبل المتطرفين اليهود، أقلها انتشار ظاهرة «البصق» عليهم، فيما لا يكفون عن كيل الشتائم. يقول رئيس أساقفة كنيسة رقاد السيدة العذراء القريبة من السور الجنوبي المحيط بالبلدة القديمة، الأب جرجوري كولينس: «أخشى التجول في شوارع القدس ليلًا، تعقبوني في الشارع وصرخوا في وجهي يا شيطان».
والأخطر بحق المقدسات المسيحية في القدس هي قضية تسريب الأملاك المسيحية إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الماضية، فقد أزيل اللثام عن الكثير من الحقائق حول التسريب المستمر للعقارات المسيحية، وشهد 27 يونيو (حزيران) 2017، كشف النقاب عن بيع الاحتلال الإسرائيلي الأراضي التابعة للكنيسة الأرثوذكسية في القدس، لقد بيعت 500 دونم جديدة تضاف إلى ما بيع في صفقات سابقة، وهي صفقات يقف وراءها بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية «ثيوفيلوس الثالث»؛ بل وصل الأمر إلى حد تدخل المحكمة الإسرائيلية، لتنزع في مطلع أغسطس (آب) الماضي، أملاك تعود لكنيسة الروم الأرثوذكس، هي فندقا البتراء وأمبريال ومنزل المعظمية في البلدة القديمة من مدينة القدس، وذلك لصالح جماعات استيطانية إسرائيلية.
يذكر بيان مؤسسة القدس الدولية أن: «الاحتلال الإسرائيلي سعى خلال عقود إلى السيطرة على العقارات العربية المسيحية في مدينة القدس المحتلة بأساليب متنوعة ومتعدّدة، بما يخدم أجندته السياسية الرامية إلى تفريغ المدينة من الوجود العربي، عبر صفقات متتالية ينتزعها الاحتلال من أملاك الكنيسة الأرثوذكسية وأوقافها بتنسيق مع شخصيات غير عربية».
«يسوع أفسد إسرائيل وهدمها».. الفتاوى اليهودية تجيز ذبح المسيحيين!
في الأسبوع الأول من هذا الشهر، طالعتنا وسائل الإعلام بخبر نوعي يفيد بتحريم الحاخام الإسرائيلي البارز «بن صهيون موتسافي» النظر إلى ورقة نقدية إسرائيلية جديدة فئة 50 شيكلًا (ح14 دولارًا).
يعود سبب التحريم لاحتواء الورقة النقدية على صورة شاعر إسرائيلي شهير هو «شاؤول تشرنيخوفسكي» المتزوج من المسيحية، المولودة في روسيا «ميلانيا كارلوفا»، ويرجع رأي الحاخام الذي قال إنه يطوي الورقة النقدية حتى لا يضطر للنظر إلى وجه «تشرنيخوفسكي» لحظة واحدة، إلى اعتقاده أن زواج اليهودي بمسيحية «هدم للدولة».
لقد أدت مجاهرة بعض المرجعيات الدينية اليهودية بفتاوى تنال من المسيحية؛ بل تدعو إلى عنف ممنهج ضد المقدسات والمسيحيين، كإجازة ذبح المسيحيين، وتشجيع مستمر على هذه الأعمال العدوانية، فالرأي الفقهي اليهودي يتخذ موقفًا معاديًا جدًا من المسيحية، وهو يرى أن المسيحية «ضرب من ضروب الوثنية»، ويحرم هؤلاء زيارة الكنائس بشكل قاطع، وتذهب الكثير من فتاوى الحاخامات الكبار لتحريم تلقي تبرعات من المسيحي لبناء معبد أو مدرسة دينية، ويذكر التلمود: «لقد ضلل يسوع وأفسد (إسرائيل) وهدمها»، ويطالب التلمود اليهود بأن: «يعتبروا المسيحيين حيوانات غير عاقلة ويعاملوهم معاملة الحيوانات الدنيئة»، كما يذكر هذا الكتاب أن «مريم أم عيسى هربت من زوجها واقترفت الزنا».
ولذلك لم يتردد زعيم منظمة «لهفاه» اليهودية العنصرية، بنتسي غوفشتاين، في إعلان تأييد حرق الكنائس ودور العبادة المسيحية، فقد قال في ندوة عقدها معهد ديني يهودي في القدس الغربية ردًّا على سؤال صحافي: «الحاخام موسى بن ميمون قال يجب أن نحرق الكنائس… بالتأكيد أؤيد».
ويؤدي التعليم الديني في إسرائيل دوره في دعم الوجهة الدينية المتطرفة ضد المسيحية، فالمؤسسات التعليمية التابعة للمتطرفين التي تربي على أن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار، تلقن فيها الفتاوى التي تبيح تدنيس أماكن العبادة والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وغيرها من المناطق الأخرى.
ميرفت عوف