إن الأنفاق الموجودة تحت تل أبيب، تعدّ اكثر خطورة من تلك الموجودة تحت رمال قطاع غزة. لان انفاق تل أبيب هي التي تنتج الشرور والحروب والقتل والمخططات العدوانية والتسلح والكراهية، وليس من باب الصدفة ان مقر وزارة الدفاع الاسرائيلية في تل أبيب والمسمى (كريوت) يطلق عليه اسم البئر. فهو بمثابة بئر تحت الارض تم حفره في الاربعينيات من القرن الماضي تجلس فيه قيادات اسرائيل الامنية والعسكرية والسياسية وتخطط للاغتيالات وشن الحروب والقتل.
ان العدوان الاسرائيلي على نفق خانيونس ليس سوى عدوان على الرئيس ابومازن، وعدوان على رئيس الوزراء رامي الحمد الله ومنظمة التحرير، وعدوان على مصر والمخابرات المصرية قبل ان يكون عدوانا على الجهاد الاسلامي وحركة حماس. لانه جريمة قتل تم الاعداد لها سياسيا وعسكريا وامنيا واعلاميا بهدف تخريب المصالحة الفلسطينية واعادة قلب المشهد الداخلي.
والدليل على ذلك الصراعات الشديدة داخل اسرائيل الان، ولم يتردد قادة في اسرائيل عن السؤال: لماذا يسارع أفيغدور ليبرمان شخصيا في اعلان تفجير النفق، وطالما قامت اسرائيل بتفجير أنفاق وتنفيذ عمليات ضد العرب وتسارع اسرائيل الى الصمت وعدم تبني العملية!! فلماذا هذه المرة سارع ليبرمان في تبنيها؟
ويسألون ايضا: لماذا يقوم نتانياهو بعد دقائق باعلان تبني تفجير النفق!! وهل جن جنون قادة الاحزاب الاسرائيلية؟ أم أنهم يحفرون الانفاق تحت بعضهم البعض في ظل صراع الديكة على كعكة السلطة وميزانياتها؟
والأهم من ذلك أن اسرائيل عادت وتراجعت عن تباهيها وتفاخرها باستخدام تكنولوجيا جديدة (غاز سام قاتل مخالف للقانون الدولي). لانها عرفت ان عدد الضحايا قد يقود الى تشكيل لجنة تحقيق دولية. وهو ما دفع تل ابيب للاتصال بالقاهرة وتوسل تدخلها من أجل منع اطلاق صواريخ.
ان جريمة نفق خانيونس، تاخذنا الى العناوين التالية:
- ان العرب والفلسطينيين لا يملكون خطة هجوم ولا خطة دفاع.
- ان التنظيمات الفلسطينية صارت جزءا من المنظومة العربية بما لها وما عليها.
- ان قادة تل ابيب لا يفرقون بين عباس وحماس والجهاد الاسلامي ومصر. وهم يعملون بنظرية ان العربي الجيد هو العربي الميت.
- ان تفجير النفق لم يقتل عشرة شبان فلسطينيين فقط، وانما قتل وهم الثقة باسرائيل، وبات جيل كامل من الفلسطينيين يعرفون ان اسرائيل ليست محط ثقة وانها ترضع الغدر والاغتيالات في ثقافتها.
- ان تفجير نفق خانيونس سيخلق رد فعل غير نمطي من جانب الفلسطينيين، وطالما ان القوى والفصائل السياسية غير قادرة على الرد، وطالما ان الدول العربية لن تقوم بطرد السفير الاسرائيلي، وطالما ان اسرائيل تقصف سوريا والسودان ولبنان وغزة ورام الله متى تشاء ودون حسيب او رقيب، فإن الواقع الراهن واذا استمرت حكومة الاحتلال في مغامراتها العسكرية، قد يقود ذلك الى خلق رد فعل خارج النظام السياسي.
- ان جريمة اسرائيل، وردة فعلها على الجريمة تثبت مرة اخرى ان وهم انهاء الصراع لا يعيش سوى في عقول السياسيين الطوباويين، اما على الارض فلا يوجد الا الدم والنار والانتقام. وهذا ما تريده اسرائيل، وهذا ما تخطط له أنفاق تل أبيب.
د. ناصر اللحام