تتسارع التطورات العسكرية والسياسية على ساحة الصراع في بلاد الشام، فالجيش السوري وبدعم من القوات الجوية الروسية ووحدات حزب الله اللبناني يوسع مناطق سيطرته على أغلب الجبهات التي يواجه فيها تنظيمات داعش والنصرة وحركة أحرار الشام الإسلامية وغيرها من عشرات المليشيات المسلحة الأخرى، وقد تمكنت دمشق من إخلاء مناطق كبيرة وخاصة حول العاصمة دمشق وحمص من المليشيات المسلحة المناهضة بدون قتال وذلك عن طريق إتفاقيات ومصالحات متعددة الأشكال وذلك بعد أن وجدت تلك الجماعات المسلحة أنها مهددة بالإبادة. مصادر رصد في أوروبا أفادت خلال شهر مايو 2017 أن حوالي 72 من مجموع الأراضي السورية أصبحت خارج سيطرة المليشيات المناهضة لحكومة دمشق، وان المئات من المسلحين وأساسا غير السوريين يتم إخلاؤهم من سوريا وإرسالهم إلى ليبيا ومنها إلى تونس والجزائر أو بلدان في منطقة الساحل والصحراء الكبرى حيث تنشط تنظيمات توصف بالجهادية.
نقط صدام ساخنة
نفس مصادر الرصد أشارت إلى أن هناك ثلاث نقاط ساخنة على الجبهة السورية تصنف كالأكثر خطرا فيما يخص إحتمال توليدها لمواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى.
الأمر يتعلق أولا بالبادية السورية والطرق البرية التي تصل دمشق ببغداد وباقي أرجاء سوريا بالعراق حيث تعمل القوات الأمريكية المرابطة في تخوم المنطقة على منع تقدم الجيش السوري وحلفائه بدعوى أن ذلك يشكل تهديدا لها، والنقطة الثانية هي منطقة درعا والجزء الذي حرره الجيش السوري من هضبة الجولان خلال حرب أكتوبر 1973 حيث تتوعد تل أبيب ومن ورائها واشنطن بأنه لا يمكن السماح لقوات معادية من الإقتراب من الجولان المحتل والجليل الأعلى أي شمال فلسطين المحتلة لأن ذلك يشكل تهديدا للمستوطنات الصهيونية. وحسب محللين غربيين فإن هذه التحركات الأمريكية هدفها منع دمشق من حسم المعركة لصالحها والوصول إلى عملية لتقسيم الأراضي السورية.
والنقطة الثالثة هي منطقة الشمال السوري المتاخمة للحدود التركية حيث ترتبك الصورة بين رغبة أمريكية في دعم المليشيات الكردية المعادية لدمشق والمصنفة غربيا كمعتدلة وذلك لمنع الجيش السوري من الوصول إلى المناطق الأكثر حساسية على الحدود مع تركيا، ولكن هذه المليشيات الكردية تعتبر في تركيا إنفصالية وإرهابية بسبب إرتباطها بحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حربا منذ سنة 1978 ضد الجيش التركي ويسعى لإقامة دولة كردية من أراض تركية وعراقية وسورية.
أنقرة شكلت أحد أهم داعمي المليشيات المسلحة التي قاتلت الجيش العربي السوري منذ مارس 2011 بالسلاح والرجال القادمين من عشرات الدول، وتحالفت مع مخططات واشنطن وداعمى تنظيمات الإخوان بمختلف أشكالها من منطقة الخليج العربي على أمل تحقيق مكاسب إقليمية وإستعادة جزء من دور تركيا العثمانية التي سقطت في الحرب العالمية الأولى وفقدت خلالها السيطرة على ما تبقى من أجزاء إمبراطوريتها. تركيا أردوغان وبعد أن شتت الدعم العسكري الروسي المباشر لدمشق في نهاية سبتمبر 2015 فرص حصولها على الجزء الذي تطلعت إليه من الغنيمة، وجدت نفسها في متاهة صعب على ساستها حتى الآن الحسم في إختيار أحد المخارج المتاحة منها، فهم لا يرغون في الخروج بلا منافع ومكاسب، وفي نفس الوقت يخشون من مجاراة الحليف الأمريكي لأن ذلك قد يقود إلى إقامة دولة كردية ستكون تركيا أكبر المتضررين منها لأن على أرضها يوجد غالبة أكراد المنطقة. ساسة أنقرة يرغبون في الإبقاء على تحالفاتهم مع بعض دول الخليج المعادية للنظام السوري والتي تقدم عملية تحالفها مع أنقرة كوسيلة أساسية لمواجهة إيران. تركيا حائرة كذلك بين مواصلة التعاون المطلق مع حلف الناتو وتكريس الخلاف مع روسيا بدون أدنى فرصة للحصول على مكافأة غربية عبر عضوية كاملة في الإتحاد الأوروبي، في حين أن موسكو تلوح لها بإقامة تحالفات تمتد عبر دول في وسط أسيا وعلاقات إقتصادية مع رابطة الدول المستقلة التي من بين من تضم تركمانستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، وقرغيزيا، وكازاخستان، وآذربيجان وهي دول تتحدث بلغة قريبة من التركية باستثناء طاجيكستان التي تستخدم اللغة الفارسية.
خطط واشنطن
جاء في تقرير نشره موقع هافينغتون بوست الأمريكي يوم 4 يونيو 2017:
بدأت لعبة من سيحكم شرقي سوريا في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. ففي 18 مايو، هاجمت الولايات المتحدة قافلة عسكرية للميليشيات المتحالِفة مع الرئيس السوري بشار الأسد بعد تجاهلها تحذيرات متكررة لإيقاف تقدمها باتجاه التنف، وهي قاعدة للقوات الخاصة الأمريكية والبريطانية على الحدود السورية الأردنية. ويقول البيت الأبيض أن القاعدة مشمولة باتفاق منع التعارض الذي يعود إلى 15 أكتوبر 2015 بين الولايات المتحدة وروسيا، الذي أنشأ خطاً ساخناً لتفادي المواجهة العسكرية المباشرة بين القوات الروسية والأمريكية في سوريا.
جاء ذلك بعد أيامٍ قليلة بعد إعلان القاعدة الروسية في حميميم السورية أن قواتها الجوية، جنباً إلى جنب مع قوات حزب الله، سيدعمان قوات الجيش العربي السوري في محاولتها الانطلاق شرقا، وتطهير الطريق من دمشق حتى بغداد، ومنع تشكيل منطقة عازلة أمريكية شرقي سوريا. وجاء كل هذا في أعقاب إعلان واشنطن في 9 مايو إمدادها الفصائل الكردية ضمن قوات سوريا الديمقراطية بأسلحة أثقل لمساعدتها على السيطرة على عاصمة داعش في الرقة مغضبة بذلك حليفتها تركيا، وفق تقرير لمجلة “فورين أفيرز″ الأمريكية.
وتتعلق هذه التحركات ظاهريا بمحاربة داعش. غير أن الفاعلين المختلفين في سوريا يفكرون بشكل متزايد في ما هو آت بعد ذلك، مع التركيز على نقاط ضعف الطرف الآخر. وقد يخضع اتفاق منع التعارض الروسي الأمريكي في سوريا إلى الاختبار قريبا، ما يزيد احتمال وقوع حوادث في أحسن الأحوال. وهناك الآن مخاطرة أكبر بأن الولايات المتحدة وحلفاءها سيستدرجون إلى مواجهة مباشرة ليس فقط مع الجيش السوري، بل ومع الداعمين الروس وحزب الله كذلك.
ومن أجل ضمان أن تنحصر المخاطرة في مواجهة عسكرية حول الحدود التي يمكن السيطرة عليها، يجب على كلٍ من أمريكا وروسيا أن تتفقا على معالم منطقة تخفيف تصعيد شرقي سوريا تبقي التركيز منصبا على داعش وتحتوي الطموحات في إقامة ممر أرضي من العراق عبر سوريا وصولا إلى البحر المتوسط. لكن مع تواصل التحركات يبدو ذلك مستبعدا في أي وقت قريب، إلّا إذا أُميط اللثام عن نقاط ضعف نظام الجيش السوري من جانب داعميه الروس.
يذكر أن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم أعلن، يوم الأحد 4 يونيو، أن معركة انتزاع مدينة الرقة السورية من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية بدأت، وأن الولايات المتحدة أبلغت أنقرة بها.
وأضاف علي يلدريم، وأن الولايات المتحدة الأمريكية أبلغت أنقرة بـ”المعلومات اللازمة” حول العملية قبيل انطلاقها. وشدد على أن بلاده لا تؤيد الطريقة التي بدأت بها الولايات المتحدة الأمريكية حملة الرقة، وأشار إلى أن واشنطن أبلغت أنقرة بأن اعتمادها على الوحدات الكردية للقيام بهذه العملية “لم يكن اختياريا إنما ضرورة فرضتها الظروف. واشنطن أبلغتنا أن تعاونها مع مسلحي “ب ي د” عبارة عن تكتيك عسكري، لن يدوم طويلا، وقدموا لنا الضمانات اللازمة، للحيلولة دون انتقال الأسلحة المقدمة لهم إلى العناصر الإرهابية الناشطة داخل أراضينا “في إشارة إلى “بي كا كا”.
هذه التطورات لا تعني أن تركيا موافقة على العملية أو أنها يمكن أن تقدم لها أي شكل من أشكال الدعم العسكري أو السياسي، حسب وسائل الإعلام التركية التي قال بعضها إنه تسليم بالأمر الواقع وعدم الرغبة والقدرة على التصعيد المباشر مع الإدارة الأمريكية.
في المقابل، جدد رئيس الوزراء التركي تهديده بأن “إستراتيجيتنا التي لا تتغير، هي أننا لن نتهاون في ضرب أي منظمة إرهابية تهدد أمننا وسلامتنا سواء كانت هذه المنظمة داخل حدود بلادنا أو خارجها”، وذلك بعد يوم واحد من تحذير الرئيس رجب طيب أردوغان لواشنطن بأن بلاده لن تشارك في عملية الرقة، وأنها سترد على أي تهديد لأراضيها ينطلق من الأراضي السورية. أغلب المحللين إعتبروا أن أنقرة استسلمت لواشنطن على الأقل إلى حين.
توافق أمريكي مع داعش
مخاوف أنقرة متعددة خاصة بعد تأكيد مصادر تركية الأنباء عن وجود اتفاقيات متزايدة بين الوحدات الكردية وتنظيم الدولة “داعش” في شمالي سوريا، وقال المتحدث باسم الرئاسة: “الاستخبارات التركية تتابع الأمر عن كثب وهناك علامات تؤيد ما يقال”، معتبرا أن “هذا ليس أمرا جديدا، سبق لـ “ب ي د” وداعش، أن فعلا الأمر نفسه في مدينة منبج، هذا يظهر كيف أن المنظمات الإرهابية تتعاون مع بعضها عندما يكون الأمر في مصلحتها”. الملاحظ أن الأتراك يمتنعون في الوقت الحاضر عن كشف كامل عملية تبادل الأدوار بين التنظيمات الإرهابية برعاية المخابرات المركزية الأمريكية.
التحذيرات التركية جاءت في وقت كشفت فيه القيادة العسكرية الروسية أن طائرات تابعة للمخابرات الأمريكية أسقطت أسلحة لتنظيم داعش في أفغانستان بهدف جعله يشتت جهود قوات المقاومة الأفغانية بقيادة طالبان التي تسعى لطرد القوات الغربية. مصادر رصد ألمانية في برلين وفي نطاق التوتر القائم حاليا بين برلين وواشنطن أفادت أن طائرات تابعة لما يسمى التحالف الدولي ضد داعش أسقطت كذلك أسلحة للتنظيم المتطرف ولمقاتلي النصرة في سوريا، مضيفة أن مركز تنسيق تابع لمخابرات الجيش الأمريكي له مركز في تل أبيب ينسق عملية تبادل المواقع والمقاتلين بين مختلف التنظيمات المسلحة التي تقاتل الجيش السوري.
موسكو إتهمت كذلك تنظيمات مسلحة محسوبة على واشنطن بالتفاهم وتبادل الأدوار مع داعش مؤكدة أن قواتها لن تسمح بإستمرار هذه التفاهمات. وذكرت روسيا أن “قوات سوريا الديمقراطية” اتفقت مع تنظيم “الدولة” على إخلاء مدينة الرقة ومحيطها ونقل قواتها باتجاه البادية السورية. وذكرت الحكومة الروسية إنها تمتلك أدلة دامغة على ذاك، وتسجيلات مصورة تثبت ذلك.
ويمكن تصنيف التحرك الروسي لضرب قوافل التنظيم في بداية طريقها جنوبا نحو المواقع السورية تحت بند الأمن الوقائي، إذ تشكل الوجهة الرئيسية لتلك القوافل محيط تدمر وبلدة السخنة إلى جانب ريف حماة الشرقي، وهو ما يهدد مسار العمليات العسكرية التي تجري هناك بدعم روسي مباشر. ولا يخرج تواطؤ “التحالف” مع تنظيم “داعش” بدوره عن مجمل مشهد المعارك في البادية، بل ينصب في إطار الضغط على قوات الجيش وحلفائه، وتهديد مدينة تدمر وقاعدة “ت 4″، اللتين تشكلان منطلق العمليات الرئيسي نحو الشرق. وضمن هذا السياق، أشارت وزارة الدفاع الروسية إلى أن “قسد” تعمدت ترك ثغر في نطاق مدينة الرقة الجنوبي لخروج قوات داعش، موضحة أن طائراتها “دمرت عددا من القوافل العسكرية التي كانت تتحرك نحو تدمر” خلال نهاية شهر مايو وبداية يونيو 2017.
اللعبة الكبرى
تقرير مركز هافينغتون بوست ذكر أنه رغم الرد العسكري الأمريكي في منطقة التنف تواصلت ما سمته الخطوات العدوانية من جانب قوات الجيش العربي السوري والتي بدت مفاجئة، كما أن الرسائل الصدامية ظلت ترشح من القاعدة الجوية الروسية في حميميم. وكانت تلك الرسائل جديرة بالملاحظة لهدفها الواضح والدرجة التي وعدت فيها بالتعاون الروسي مع سوريا وحزب الله. فعلى سبيل المثال، ذكرت إحدى الرسائل من قناة القاعدة على تطبيق تليغرام:
“ستشهد الفترة المقبلة تعاونا عسكريا على مستوى عال بين قوات الحكومتين السورية والعراقية والوحدات الداعمة لهما.. وهو ما أصبح ممكنا عن طريق الخبراء العسكريين وبالتعاونِ مع سلاح الجو الروسي بهدف دعم قوات الجيش السوري.. وبخلاف تأمين الطريق السريع الرابط بين دمشق وبغداد، ستكون هذه الحملة سباقا مع المعارضة المسلحة، التي تخطط لإقامة منطقة عازلة بجوار مرتفعات الجولان والحدود الأردنية العراقية بدعم أمريكي مباشر”.
ويأتي قرار روسيا لدعم الجيش السوري للاندفاع شرقا في أعقاب تحركين أمريكيين كبيرين. تمثل الأول في ضربةٍ صاروخية ضد نظام الأسد في أبريل 2017. وتمثل الثاني في قرار واشنطن الأخير تعزيز الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في إطار جهودها لدخول الرقة.
وأشار هذان التحركان معا إلى تعميق انخراط الولايات المتحدة في الحرب السورية.
وتدرك كل من روسيا وحلفاء دمشق أنه بالنظر إلى القدرة المحدودة لقوات سوريا الديمقراطية من أجل السيطرة على الأرض، فإن انهيار داعش شرقي سوريا يمثل فرصة للجيش العربي السوري لاستعادة السيطرة على الأرض التي خسرها. ولذا دعمت موسكو على مدار الأشهر الخمسة الماضية جهود الفيلق الخامس الجديد التابع للحكومة السورية، للاندفاع شرقا من حلب إلى منبج شمال وسط سوريا، وبالتالي تقليص المنطقة التركية العازلة شمالي حلب، ثم الضغط جنوبا وشرقا على طول الضفة الغربية لنهر الفرات باتجاه الرقة.
ويمنح هذا التحرك روسيا عدة خيارات: فيمكنها أن تقدم الجيش للقبائل التي تقطن في وادي الفرات على أنه بديل ممكن لقوات سوريا الديمقراطية في حين تبقي الاحتمال مفتوحا لدعم وحدات حماية الشعب الكردية في حال تعاونت الولايات المتحدة بشكل أكبر مع منافسة وحدات حماية الشعب الكردية، تركيا. ويمكن هذا التحرك أيضا روسيا من لعب دور المفسد لخطط الولايات المتحدة بالمنطقة.
خلل كبير
الخطة الروسية طموحة، لكن يبقى بها خلل كبير حسب الخبراء العسكريين في واشنطن وتل أبيب إذ تعني القوة البشرية المستنزفة للجيش السوري أنه لا يمكنه دخول منطقة ما دون كشف نفسه في منطقة أخرى. فعلى سبيل المثال وحسب نفس الخبراء، في حين كان الفيلق الخامس يضغط شرقا على مدار الأشهر الخمسة الماضية، بدأت قوات الحكومة في خسارة الأراضي بسرعة شمال حماة، وهو ما أثار مخاوف بشأن خسارة المدينة.
ومن وجهة نظر أمريكية إسرائيلية فإنه “بعد أن أدركت موسكو أن الجيش السوري لا يمتلك الموارد التي تمكنه من القتال على جبهات عدة، اقترحت في بداية مايو إقامة عدد من مناطق “تخفيف الصراع″، أو مناطق لن يشن النظام هجمات عليها، وفي المقابل تعمل القوات الروسية كـ”ضامن” يراقب انتهاكات وقف إطلاق النار. وكان ترتيب كهذا ليسمح لروسيا بقبول تقسيمٍ عملي للبلاد دون التخلي عن السيطرة على تلك المناطق للدول المجاورة، خصوصا الأردن وتركيا، التي تدعم المعارضة في تلك المناطق”.
“وأشار إعلان روسيا عن عمليات مشتركة لمساعدة الجيش السوري من أجل الاندفاع شرقا تجاه وادي الفرات كذلك إلى التوجه، وهو الأمر الذي شك فيه الأمريكيون طويلا، نوايا موسكو للمساعدة على تأمين جسر بري مع العراق، وهو امتداد متصل من الأرض يسيطر عليها الحلفاء، من إيران، وعبر العراق وسوريا، وصولا إلى المناطق التي يسيطر عليها حزب الله في لبنان، وهو ما من شأنه أن يسمح بنقل أسلحة أكثر وأثقل غربا إلى سوريا ولبنان وبالتالي تهديد أمن إسرائيل”.
ومع ذلك يستبعد أن يقنع ذلك البلدان الأخرى في المنطقة، مثل بعض دول الخليج والأردن، بوقف دعم المعارضة، وقد يؤدي في الواقع إلى تصاعد الصراع. وقد يثير أيضا رد فعل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لم يتخل عن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعه المحافظون الجدد والهادف إلى تقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دولة على أسس طائفية ودينية وعرقية ومناطقية مما يضمن أم الكيان الصهيوني لعقود قادمة.
الموقع ثم الموقع
التقرير الأمريكي يضيف يبقى مآل الدفع المدعوم روسيا باتجاه الشرق غير واضح. فعلى مدار يومي 2 و 3 يونيو، سيطرت القوات الموالية للنظام والميليشيات الحليفة لها، مع وجود تقارير عن رفعها أعلاما روسية في مقدمة أرتالها، على أراضٍ من داعش في البادية، وهي منطقة تقع شرقي دمشق في جنوبي سوريا. ومع ذلك ستتطلب السيطرة على مناطق أقرب إلى وادي الفرات المزيد من القوات، وهو ما يسلط الضوء على أوجه القصور في القوة البشرية لدى النظام، ويضع رغبة الروس وحزب الله للتصعيد في اختبار.
إذاً فالسبيل الأفضل لواشنطن للسيطرة على هذا الوضع هو ترك النظام يستنفد طاقته في الاندفاع تجاه وادي الفرات بينما تستعد هي لتباطؤ هذا التقدم، وهو ما يبدو على الأرجح أنها تفعله. ويتطلب هذا التمسك باتفاقات وقف التعارض الأمريكية الروسية من أجل حماية التنف، بينما تقوي مجموعات المعارضة في المنطقة.
وتشير المؤشرات الأولية من المصادر السورية والروسية إلى أن الجيش السوري يهدف إلى السيطرة على معقل داعش في دير الزور وسط وادي نهر الفرات، وهو ما يمنح الولايات المتحدة الوقت لتعزيز قوات المعارضة جنوبا باتجاه البوكمال على الحدود العراقية.
ومن شأن مبادرةٍ كتلك أن تمنح الولايات المتحدة خيارات أفضل في جنوب سوريا، ومساعدة الحليف الرئيسي أي إسرائيل، وإضعاف الخطط السورية للسيطرة على طريق بغداد دمشق. ومن شأنها كذلك أن تمنح الولايات المتحدة دعما سياسيا هي في أمس الحاجة إليه من القبائل العربية لقوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد في شرقي سوريا، أو ليحلوا محلها.
قلق إسرائيلي
في إسرائيل يسود قلق بالغ بسبب ما يعتبره ساستها ترددا أمريكيا أمام تصعيد روسي خاصة منذ اشتباك الجمعة 17 مارس 2017 عندما أعلن الجيش السوري إسقاط طائرة إسرائيلية وإصابة أخرى داخل إسرائيل، بعد أن اخترقت 4 طائرات إسرائيلية المجال الجوي في منطقة البريج، وهو ما نفته حينها قيادة الجيش الإسرائيلي رغم سماع أصوات إنفجارات شديدة شمال فلسطين المحتلة، الأمر الذي فسره المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي إدرعي بتصدي المضادات الإسرائيلية للصواريخ السورية.
ولكن يتم بشكل ما في تل أبيب الإعتراف أنه منذ 17 مارس لم يقم الطيران الإسرائيلي بخرق الفضاء السوري وإقتصر إعتماده ونادرا على صواريخ أرض أرض.
كما يشار في تل أبيب أنه ورغم تحذيرات البنتاغون الأمريكي لم تشهد جبهة التنف أي رد فعل أمريكي بالتزامن مع فتح الجيش السوري لجبهة جديدة في مواجهة فصائل مسلحة محسوبة على واشنطن في ريف دمشق المتصل بالغوطة الشرقية، وتحديدا في منطقتي بئر قصب ودكوة حيث تعمل الوحدات السورية على السيطرة على آلاف الكيلومترات المربعة بين ريفي دمشق والسويداء، ويعتبر النجاح في السيطرة على المنطقتين أساسيا في هذا المجال.
وكان الجيش الأمريكي قد أسقط نحو 90 ألف منشور بداية يونيو يحذر فيها المقاتلين داخل المنطقة من أن أي تحرك باتجاه التنف “سيعتبر عملا عدائيا وسوف ندافع عن قواتنا”.
ويشدد قادة الجيش الإسرائيلي خاصة منذ بداية شهر يونيو 2017 على خطورة مواصلة الجيش السوري وحلفاؤه عملياتهم العسكرية ضد تنظيم “داعش” والنصرة وغيرهما، في مناطق عدة من الجغرافيا السورية، حيث تمكن من توسيع نطاق سيطرته على أكثر من محور في البادية، وريفي حلب وحماة الشرقيين، طارقا باب الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، وذلك ضمن المعارك التي يخوضها الجيش لإعادة ربط الجغرافيا السورية بعضها ببعض.
وقد تمكن الجيش السوري يوم الأحد 4 يونيو، من استعادة السيطرة على أكثر من 1400 كلم مربع في عمق البادية السورية، شرقي تدمر، وذلك في إطار سعيه بالتقدم باتجاه محطة “ت 3″، بوصفها خطوة مهمة تقوده إلى الوصول إلى المحطة “ت 2″، الواقعة في عمق بادية البوكمال، ليصل بذلك إلى الحدود السورية العراقية من ناحية البوكمال، في ريف دير الزور. ويحاول الجيش استثمار زخم العمليات ضد تنظيم “داعش” في المقلب العراقي، ليمنع مسلحي التنظيم من التسلل إلى عمق الحدود السورية، وإنشاء قواعد دفاعية جديدة لهم في المنطقة. ويبدو أن الجيش سيعمل على رفع وتيرة المعارك الدائرة في البادية، مستفيدا من التضاريس الصحراوية للمنطقة، وقلة التجمعات السكنية فيها، ما يمنح سلاح الجو دورا أساسيا وحاسما في معارك البادية.
معسكران في واشنطن
يقول محللون في العاصمة الأمريكية أن هناك معسكران داخل البيت الأبيض والبنتاغون، أحدهما يطالب بالتريث والعمل على عقد إتفاق مع موسكو حول سوريا لا يظهر أن أمريكا قد خسرت المعركة خاصة وانه لم تعد هناك إمكانية لكسب الصراع إلا إذا كان الرئيس ترامب مستعدا لإرسال عشرات آلاف الجنود الأمريكان إلى المنطقة ومساندة معارضة سورية ممزقة وغير قادرة على الصمود، في حين أن المعسكر الآخر يطالب بالتشدد مؤكدا أن موسكو ستتراجع إذا قدرت أن هناك خطر الدخول في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، ويضيف أنصار هذا المعسكر أن الموقف الأمريكي الرادع سيلقى ترحيبا من طرف الحلفاء العرب وإسرائيل وسيكون رسالة إلى تركيا وكل القوى السياسية في المنطقة وخارجها حتى لا تتحدى الإرادة الأمريكية.
في روسيا يعتقد بعض المحللين أن الكرملين مسرور للتخبط الأمريكي خاصة منذ أن حذر رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف قبل أشهر من خطر نشوب “حرب عالمية جديدة” في حال حصل هجوم بري خارجي على سوريا، وذلك في مقابلة نشرتها صحيفة «هاندلسبلات» الألمانية.
وقال مدفيديف إن “الهجمات البرية عادة تؤدي إلى أن تصبح أي حرب دائمة”، مضيفا أنه “ينبغي إرغام جميع الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بدل التسبب باندلاع حرب عالمية جديدة”.
من جانبه صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 2 يونيو 2017 إن بلاده تدافع عن سوريا كدولة. وأضاف على هامش منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي: “أننا ندافع بالدرجة الأولى عن مؤسسات الدولة السورية وليس عن الرئيس بشار الأسد، ولا نريد أن يتشكل في سوريا وضع مشابه لما تمر به ليبيا أو الصومال أو أفغانستان، حيث تتمركز هناك قوات الناتو على مدار سنوات طويلة، لكن الوضع لم يتغير نحو الأفضل”.
وعلّق بوتين بشأن الأسد قائلا: “هل ارتكب الأسد أخطاء؟ نعم، يحتمل ذلك، عدداً من الأخطاء. ولكن الناس الذين يعارضونه، هل هم ملائكة؟ أعني هؤلاء الذين يقتلون ويعدمون الأطفال ويقطعون رؤوسهم”.
وحول اتهام الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية، قال إن تلك الاتهامات “لا أساس لها”، وأضاف أنه لم يهتم أحد بتأييد اقتراح روسيا إجراء تحقيق في الأماكن التي حملت فيها الأسلحة الكيميائية على متن الطائرات أو الأماكن التي يزعم أن دمشق استهدفتها، متابعا: “رفضوا في الغرب ذلك. لا أحد يريد ذلك. كان هناك الكثير من الحديث ولكن من دون أي إجراءات فعلية”.
لا بد من الحسم
تفيد التقارير الواردة من العاصمة اللبنانية بيروت، إن الوقائع الميدانية، ومجريات المعركة تؤكد أن مشروع دمشق وحلفائها هو فتح معبر بري يصل سوريا بالعراق مبدئيا، وبعد ذلك ستبدأ مباشرة مرحلة تأمين الحدود بشكل كامل وقطع طرق لتموين المليشيات المعادية لدمشق، موسكو تؤيد ذلك بقوة وهي مستعدة لمواجهة واشنطن”. وهنا تكمن خطورة الموقف وحساسيته، إذ أن الأمريكيين جديون حتى الآن أيضا بالإمساك بالحدود، وهم بدأوا فعلا بتجهيز مجموعات مقاتلة إلى جانبهم، بالإضافة إلى تمركزهم ثم انتشارهم في منطقة التنف ومحيطها. الجانب الأمريكي نجح في الشمال مع الكردي والتركي وفي الجنوب مع الإسرائيلي في بناء نفوذ له سواء بشكل مباشر عبر قواته أو عبر حلفاء له، ولكنه تعثر في البادية، مصدر عسكري لبناني يعلل هذا التعثر بقوله “إنه نتيجة سرعة استدراك الموقف من قبل سوريا وحلفائها، إذ لم يمنح الأمريكي الوقت الكافي لإتمام تحضيراته وخططه وتطبيقها، وجاءت عمليات “الفجر الكبرى” في البادية لتحطم بسرعتها وإنجازاتها جزءاً كبيرا من المخططات المعادية للسيطرة على البادية والحدود”.
واشنطن وجهت تحذيرا جديا عندما شنت الغارة على محور الظاظا، ولكن الجيش السوري لم يتراجع، مما اضطر الأمريكي لبعث رسائل يطلب فيها أن يمنح شعاعا آمنا بعمق 55 كيلومترا حول التنف.
في المقابل، سوريا وحلفاؤها مصرون على الإمساك بالبادية والحدود، “ويؤكدون لن نسمح للأمريكي أن يمسك بها، مهما كلف الأمر. وعملية الظاظا والتقدم نحو التنف، كانت رسالة للأمريكي والإسرائيلي ومن معهم، أننا سنلعب معكم على حافة الهاوية وعلى خطوط التماس الأخير”، يعلق مصدر عسكري.
في المرحلة المقبلة، سوريا وحلفاؤها ينوون فتح ممر يمتد لعشرات الكيلومترات ليصلوا إلى الحدود العراقية، وذلك بعيدا عن التنف بحوالى 55 كم لناحية الشمال الغربي. “بهذه العملية نقطع الطريق على الأمريكي ومن معه للتمدد إلى عمق البادية. من سيقف بوجه الجيش؟. إذ لن تصمد التشكيلات المسلحة العاملة بإمرة واشنطن، لذا هنالك خياران، الأول أن يتدخل الأمريكي بشكل مباشر لمنع تقدم القوات. والخيار الثاني هو إطلاق يد “داعش” في الرقة وريفها بالاتفاق مع الأكراد، ودفعهم بأعداد هائلة نحو مدينة تدمر”، يلفت خبير عسكري. وبسقوط تدمر تسقط كل الجبهة، إذ للمدينة التاريخية أهمية كبرى في عمليات البادية، فهي مركز انطلاق وإدارة العمليات، وفيها الثقل العسكري الروسي في شرقي سوريا. حاليا “هنالك محور عمليات شمالي تدمر، ولكنه بطيء نوعاً ما، وهدفه السيطرة على أراك والمنطقة المحيطة، لما فيها من آبار نفطية بالإضافة إلى تأمين محيط مدينة تدمر بشكل كامل بعد تأمين حقل الشاعر ومنطقة جنوبي تدمر وشرقها”. وبالسيطرة على أراك ومحيطها، تفتح طريق التقدم نحو السخنة ودير الزور، وبالتالي تضيق بشكل كبير فرص نجاح مخطط الأمريكيين الذي يقضي بدفع “داعش” نحو تدمر.
“لا مشكلة لدينا في مواجهة الأمريكي إذا قرر ذلك، نحن قاتلنا ممثليه على مدى أعوام الحرب، وفي هذه المرحلة المهمة والحاسمة، لن نألو جهدا في سبيل تحقيق النصر، نحن والجيش السوري والحلفاء متفقون تماماً على أولوية الإمساك بالحدود ومنع الأمريكي من تحقيق أهدافه، ولا مجال للمراوغة هنا، لا بد من تحقيق النصر”، يؤكد مصدر رفيع في حزب الله.
عمر نجيب
[email protected]