كانت مجلة “الايكونوميست” البريطانية العريقة المعروفة بافتتاحياتها وتحليلاتها الاقتصادية والسياسية العميقة، من المجلات المفضلة للامير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، ولذلك حرص ان يخصها بعدة مقابلات لشرح رؤيته الاقتصادية (رؤية 2030) التي اعتمدها للاصلاحات في المملكة العربية السعودية، وتحويلها الى قوة استثمارية ضخمة، تتخلص كليا من الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل.
العدد الاخير من المجلة الذي صدر يوم امس “الجمعة” افرد صفحة وربع الصفحة تقريبا للحديث عن هذه الرؤية، والاربعين مرسوما التي اصدرها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، واطاحت ببعض الوزراء، وعينت اكثر من 14 اميرا شابا في مراكز جديدة في عصب الدولة، ابرزهم الامير خالد بن سلمان (28 عاما) الشقيق الاصغر لولي ولي العهد الذي عين سفيرا في واشنطن، رغم عدم امتلاكه خبرة دبلوماسية، وتخرج كطيار مقاتل من احد الاكاديميات العسكرية الامريكية.
المجلة توقفت عند مرسومين من بين كل هذه المراسيم والقرارات، الاول هو التراجع عن قرار سابق وقف خلفه الامير محمد بن سلمان بالغاء البدلات والعلاوات لمواطني الدولة الذين يشكلون ثلثي الشعب السعودي (21 مليون نسمة)، والثاني تأسيس مركز طبي للامن تابع للديوان الملكي، مما يعني سحب صلاحيات ولي العهد محمد بن نايف وزير الداخلية.
وصلت المجلة الى نتيجة مفادها ان الملك سلمان قد يعين نجله الامير محمد وليا للعهد في الاسابيع او الاشهر المقبلة، لانه بات يسيطر على مفاصل الدولة من خلال تعيين رجاله فيها، وآخرهم اللواء احمد عسيري مستشاره السابق، الذي اصبح الرجل الثاني في جهاز الاستخبارات.
لم يفاجئنا اعتراف المجلة بوجود حالة من التذمر في اوساط المواطنين السعوديين وشباب الاسرة الحاكمة ايضا، ولكن ما فاجأنا حقيقة توقعها عند الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة في ابراز هذا التذمر، من خلال تغريدات جريئة ابرزها مطالبة الامير محمد بن سلمان نفسه بضرب المثل في التقشف، لانه لا يجوز ان يطالب الشعب بذلك بينما يشتري يختا بنصف مليار دولار.
عندما تتحدث مجلة “نافذة” مثل “الايكونوميست” عن تغيير الاسرة الحاكمة للملك سعود عام 1964 بسبب بذخه وسوء ادارته، في ايحاء لما يمكن ان يحصل في المستقبل، فإن هذه رسالة قوية للامير محمد بن سلمان ووالده الملك.
الحكومة السعودية تبرر العدول عن قرار وقف البدلات والعلاوات لموظفي الدولة بأنه ناجم عن تحسن في الميزانية، ولكن “المجلة” تقول ان هذا التراجع سيكلف الميزانية 13 مليار دولار، وهي التي تواجه عجزا ماليا مقداره 84 مليار دولار للعام الحالي.
رؤوس الاموال السعودية تهرب من البلاد، ونسبة كبيرة من رجال الاعمال باتت تبحث عن جواز سفر او جنسية اجنبية تحسبا لاي حدث طارىء، ونسبة النمو لا تزيد عن 1 بالمئة، وهي الادنى في تاريخ المملكة.
انها صورة قاتمة جدا لبلد كان يعتبر حتى لما قبل ثلاثة اعوام الاكثر استقرارا ورخاء في العالم بأسره.
الامير محمد بن سلمان قد يصبح وليا للعهد، او حتى ملكا، ولكن ما هو غير معروف، تلك الصورة التي ستكون عليها المملكة في المستقبل المنظور، وان كنا في هذه الصحيفة “راي اليوم” اكثر تشاؤما من مجلة “الايكونوميست” في هذا المضمار.
“راي اليوم”