كشفت تصريحات وتسريبات متواترة حول الشرق الأوسط الشهر الماضي عن وجود مناقشات لإيجاد تحالف إقليمي أشبه بحلف “الناتو” تقوده أمريكا بمشاركة عربية، ودعم إسرائيلي، لمواجهة “أعداء مشتركين” منهم إيران وتنظيم “الدولة الاسلامية”.
هذا الطرح المحتمل، انقسمت حوله آراء خبراء بارزين تحدثوا للأناضول كلٌ بشكل منفصل، ففريق يرى أن هناك رغبة تتشكل وتتعزز في هذا الاتجاه بالفعل لاعتبارات متعلقة بأمن الشرق الأوسط.، وآخر يستبعد حدوث ذلك، ويفسر التصريحات المتواترة عنه باحتمالات ثلاثة، بين مناورة إسرائيلية للالتفاف على القضية الفلسطينية، ومحاولة جذب إسرائيلي لشركاء خليجيين أبرزهم السعودية، أو تمهيد لتدخل أمريكي عسكري أكبر في المنطقة قد تستفيد منه إسرائيل.
ورأى خبير عسكري مصري أن السعودية لا تحتاج حاليا لحلف مع تل أبيب خاصة ولم تُحَلَّ القضية الفلسطينية بعد، لاكتفائها بحليفها التركي القوي.
حديث متصاعد
وفق رصد مراسل الأناضول، لبيانات وتقارير صحفية وتصريحات عربية إسرائيلية غربية، كان طرح الناتو العربي الإسرائيلي، المحتمل، كالتالي:
15 فبراير/ شباط 2017
– صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، قالت إن تحالفا عربيا تسعى واشنطن لتأسيسه عبر سؤالها لبعثات دبلوماسية عربية لديها سيكون على غرار حلف شمال الأطلنطي “ناتو”، ويضم مبدئيا مصر، والسعودية والإمارات والأردن، وبعضوية لإسرائيل قد تقتصر على الدعم بمعلومات استخباراتية.
– رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو ، قال في مؤتمر صحفي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: “أعتقد أن الفرصة الكبيرة من أجل التوصل للسلام تنبع من نهجٍ إقليمي يقوم على إشراك شركائنا العرب الجدد (دون تسمية)”.
وعلى إثره، سار ترامب قائلا: “إنه شيء مختلف للغاية، لم يناقش من قبل، وهو في الواقع اتفاق أكثر أهمية (..) سيشمل الكثير من الدول، وسيغطي منطقة شاسعة”.
19 فبراير/ شباط 2017
– الوزير الليكودي يسرائيل كاتس، قال “يجب إقامة محور بين إسرائيل والدول المعتدلة (لم يسمها) في المنطقة للتصدي لمطامع طهران”، وفق الإذاعة الإسرائيلية الرسمية.
– أمين الجامعة العربية أحمد أبو الغيط ، قال في كلمته بمؤتمر ميونخ للأمن المنعقد وقتها إن “الوضع الحالي في المنطقة ليس مؤاتيا لبناء نظام إقليمي جديد من وجهة نظر عربية، في ضوء حالة الانقسام العربي حاليا”.
– تقاربت تصريحات سعودية إسرائيلية على أهمية مواجهة إيران، في مؤتمر ميونخ للأمن، سواء على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أو وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، وسط دعوة من الأخير لحوار مع الدول العربية لهزيمة العناصر المتطرفة في المنطقة.
20 فبراير/ شباط 2017
– صحيفة “هآرتس″ الإسرائيلة تكشف عن تفاصيل عقد قمة رباعية سرية العام الماضي بمدينة العقبة الأردنية، لبحث السلام، بمشاركة نتنياهو، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني، ووزير الخارجية الأمريكي آنذاك، جون كيري، منها متعلق بطلب إسرائيلي للتقارب مع الخليج.
28 فبراير/ شباط 2017
– ليبرمان قال “لقد حان الوقت لتشكيل تحالف رسمي بشكل علني”، مشيرا في هذا الصدد إلى حلف الناتو، وفق ما نقله موقع التلفزيون الألماني “دويتشه فيله”.
وأضاف “لقد فهمت الدول السنية المعتدلة أن الخطر الأكبر ليس إسرائيل (..)إنما إيران”، مشيرا إلى إمكانية تقديم تل أبيب للخليج وسائل لمكافحة الإرهاب عبر “القدرات الاستخباراتية، والإمكانيات العسكرية”.
ناتو بواجهة منظمة “الخليج والبحر والأحمر”
المفكر المصري، محمد عصمت سيف الدولة، يري أن “هناك رغبة في تشكيل ناتو عربي إسرائيلي (..) لمواجهة داعش والتطرف الإسلامي عموما، وإيران”.
وفي هذا الصدد، يشير سيف الدولة في حديث للأناضول، إلى تقرير نشرته صحيفة الأهرام المملوكة للحكومة المصرية في 20 نوفمبر/ تشرين ثان 2016 ويتحدث عن ورقة أمريكية تحمل التوجه نفسه المثار حاليا لتشكيل هذا الناتو والذي تطرقت له صحيفة “وول ستريت جورنال” مؤخرا.
وصحفية الأهرام نشرت وقتها ورقة قالت إنها أعدها عدد من الشخصيات العسكرية والاستخبارية من أعضاء مركز لندن لأبحاث السياسات في واشنطن، بينهم الجنرال مايكل فلين، وأرسلت إلى بعض عواصم المنطقة (لم تحددها) لاستطلاع الآراء بشأن تأسيس “منظمة اتفاقية الخليج والبحر الأحمر” باعتبارها حلا طويل الأمد للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط..
وبحسب الورقة ستكون المنظمة بمثابة حلف عسكري للدفاع المشترك تحت قيادة واشنطن وعضوية مصر والسعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان والأردن، وتحتل فيها اسرائيل صفة المراقب في فترة أقل من 10 سنوات أو وفقا لما يتسنى عملياً، وتواجه ثلاثة أهداف رئيسية هي داعش، وإيران، والإسلام المتطرف.
سيف الدولة، الذي يرفض إدماج إسرائيل في المنطقة ويؤكد أهمية التصدي لذلك شعبيا، يدعو إلى مراقبة ما يدور في الكواليس من تفاهمات وترتيبات محجوبة عن الرأي العام العربي لفهم هذه الرغبة.
تحالف يتعزز يوميا
قريبا من طرح سيف الدولة، ومقويا نقاط تنامي العلاقات العربية الإسرائيلية، يقول أنس القصاص الباحث المصري في الشؤون الاستراتيجية وقضايا الأمن الدولي: “وفق رأي كثير من الأنظمة العربية هناك شكل من أشكال هذا التحالف (العربي الإسرائيلي) موجود ويتعزز من فترة لأخرى”.
ويضيف “ترى تلك الأنظمة أن أي تحول في النظام الإقليمي ستكون إسرائيل طرفا محوريا فيه وليس تشاوريا، بصفتها أقوى دول المنطقة، ولابد التعاون معها لتجاوز أي أزمة (..) ودول خليجية الآن دخلت على الخط بعد فترة طويلة من علاقات ضبابية مع تل أبيب في إطار بحث عن شريك قوى ضد إيران”.
وحول احتمالية وصول التحالفات لناتو عربي إسرائيلي، يستطرد القصاص “نحن في الطريق إلى ذلك ولكن المعادلة لم تكتمل بعد ولن تحدث في هذا التوقيت لأن هناك شروط أساسية متعلقة بفكرة التحالف الأمني”.
ويرجع القصاص ذلك إلى “غياب تام لمنظومة الأمن الجماعي، وعدم إمكانية التنسيق مع دولة أخرى لها تحديات ومخاطر مختلفة، بمحاولة جعل التهديدات والمخاطر واحدة” مشيرا إلى أن “السعودية مثلا ترى تهديدات لا تراها مصر”.
استبعاد وثلاثة تفسيرات
في الجانب الآخر، يستبعد خبير ان بارزان أحدهما سعودي والآخر مصري، تماما خطوة الناتو العربي الإسرائيلي معتبرين التصريحات المتتالية الأخيرة عن هذا الأمر، بين مناورة إسرائيلية للالتفاف على القضية الفلسطينية، ومحاولة جذب إسرائيلي لشركاء خليجيين، أو تمهيد لتدخل لتحرك أمريكي أكبر في المنطقة قد تستفيد منه إسرائيل.
1 – مناورة إسرائيلية
ومفسرا استبعاد حدوث الناتو، يقول أنور عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية: “أستبعد وجود تحالف أو ناتو طالما القضية الفلسطينية لم تحل”.
ويرى أن التصريحات الأخيرة لاسيما الإسرائيلية، بشأن مواجهة إيران ضمن محور أو ناتو بأنها “مناورة إسرائيلية لتهميش القضية الفلسطينية والتفاف لإيجاد إطار جديد مع الدول العربية “.
ويضيف: “نختلف مع إيران لأنها تتدخل في شؤوننا، أم إسرائيل تخلتف معها لأنها تمثل تهديدا حقيقيا لوجودها”.
عشقي الذي عمل سابقا في أكثر من موقع رسمي سعودي، تابع “المنطقة لا تتحمل إسرائيل كشريك، لكن وارد أن تكون هناك علاقة أقوى مع واشنطن”، مؤكدا أن سياسات المملكة واضحة أنه لا يمكن التطبيع مع إسرائيل طالما لم تحل القضية الفلسطينية، ولا غير ذلك.
2 – البحث عن شريك خليجي
العميد صفوت الزيات، الخبير العسكري والاستراتيجي المصري البارز، هو الآخر يعتبر أن “مسألة الناتو (في الشرق الأوسط) بعيدة في ظل اختلاف الرؤي السياسية حول الأخطار لاسيما من إيران”، متوقعا أن يبقي هذا الناتو “مجرد أمنية مثلما القوات العربية المشتركة التي كانت تروج لها مصر (بعد إقرار القمة العربية لها في 2015) ولم تخرج للنور”.
ويضيف لما ذكره عشقي تفسيرا ثانيا لهذه التحركات، فيرى أن هذا التوجه الأخير “محاولة إسرائيلية للقفز بعيدا عن القضية الفلسطينية بجانب بحث إسرائيل عن شراكة مع دول خليجية لاسيما الرياض”.
3 – تدخل عسكري أمريكي محتمل
ويحدد الزيات تفسيرا ثالثا هاما من وجهة نظره متعلقا بأن هذه التصريحات المتواترة تؤشر لـ”توجه لتدخل أمريكي أكبر قد يكون عسكريا في الشرق الأوسط دون مراعاة لسياسيات وسيادة الدول”.
ويدعو للالتفات إلى تصريح رئيس الأركان الأمريكي جوزيف دانفورد (أواخر الشهر الماضي) عن إعداد خطة لمحاربة تنظيم داعش في سوريا والعراق وخارجها، معربا عن قلقه من احتمالية أن يكون الشرق الأوسط في مسرح تلك الخطة.
وفي ظل تقارب خليجي أمريكي بشأن خطورة إيران، يضيف الزيات “هناك إمكانية اشتباك محدود عبر مواجهة بحرية أمريكية ضد نظيرتها الإيرانية كنوع من الردع وإظهار القوة، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حاجة لذلك ولعل تحريك المدمرة كول في البحر الأحمر مؤخرا، كأنه بحث عن مبرر لعمل ذلك”.
السعودية .. مكتفية بالحليف التركي القوي
وحول ما يتردد عن إمكانية تقارب سعودي إسرائيلي، اعتبر أن السعودية يكفيها تحالفها مع تركيا عن ذلك، ويوضح: “السعودية والخليج حاليا في تحالف مع تركيا، وهي دولة عضو في الناتو ولها قوتها في المنطقة، ولا يوجد مبرر سعودي للاقتراب من إسرائيل طالما لم تقدم حلا يذكر للقضية الفلسطينية”.
وتشهد المنطقة صراعات مسلحة عديدة أبرزها في سوريا وليبيا والعراق، وسط رفض عربي لما يعتبره تدخلا إيرانيا في المنطقة، وتحركات عربية عسكرية بارزة في اليمن العامين الماضيين ضد الحوثيين المدعومين من طهران.
(لاناضول)+رأي اليوم