لا مراء في أن الشباب هو وقود المجتمع و كل مجتمع غاب أو غُيب شبابه فهو مجتمع أعرج،أعمي، عقيم، بلا مستقبل و محكوم عليه بالإعدام و الانقراض..
و قد شهدت العشريتان الأخيرتان تراجعا عالميا لاهتمام و إشراك الشباب في الشأن العام تفاوتت حدة ذلك التراجع حسب القارات و الأمم حيث بلغ المتوسط العالمي لعمر البرلماني 53 سنة و لا يتعدي البرلمانيون في العالم الذين تقل أعمارهم عن 20 سنة نسبة 1.6 %و قد سجل العالم الثالث و القارة الإفريقية و العالم العربي أرفع نسب و مؤشرات تراجع و "بَيَات" وغياب و استقالة الشباب من الفعل و التأثير في الشأن العام.
و لم تكن نسب مشاركة الشباب في الشأن العام بموريتانيا استثناء من مثيلاتها بالقارة الإفريقية و لا العالم العربي حيث تراجع حضور الشباب ( من 18 إلي 35 سنة )في المشهد السياسي و الإداري الذي كان يمثل خلال الجمهورية الأولي و "العسكرتارية" الأولي" و "العسكرتارية الثانية" ما يقارب 85% من البرلمانيين و الموظفين السامين و كبار الضباط،و قادة الحركات السياسية و النقابية و الطلابية السرية و شبه السرية...
بينما لا يمثل في أيامنا هذه عدد البرلمانيين الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة إلا أدني من 10% وهي تقريبا النسبة نفسها من رؤساء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان و عمد البلديات الجهوية و المقاطعية و رؤساء و أعضاء مكاتب اتحاديات التجار و الصناعيين و المحامين...
كما لا يمثل الشباب من مجموع الموظفين العموميين إلا نسبة 25% لا يتجاوز عدد الشباب المنتمين إلي الفئة العمرية الأقل من 29 سنة منهم إلا نسبة %4.32 و إذا ما أخذنا مؤشر الموظفين العموميين الشباب من خارج قطاعي التعليم و الصحة فسنجد أن نسبة الشباب دون 35 سنة لا تتجاوز 17% و أن نسبة الشباب دون 29 سنة لا تتعدي نسبة 5%.. و رغم أن نسبة الفئة العمرية التي تقل أعمارها عن 40 سنة تمثل أكثر من %75 من مجموع سكان البلد و أن نسبة الشباب من 18 إلي 40 سنة من مجموع الناخبين تفوق %60 فإن حضور الشباب بالشأن العام لا زال تحت خط المقبول و ذلك بفعل عدة عوامل منها عددا لا حصرا و قصرا لا نشرا:
أولا:- انهيار المستويات التعليمية: لا أظن أحدا ببلدنا ومن كل المستويات العلمية والمهنية وحتى من بسطاء الناس وعامتهم إلا ويتحسر على الانهيار الكبير للمستويات التعليمية، خصوصا ابتداء مما سمي إصلاح التعليم 1979، الذي يقولون إنه إصلاح وما هو بإصلاح إن هو إلا إفساد و فساد كبير.
ومن البداهي أنه كلما تقهقر المستوى الدراسي والعلمي، كلما تراجع مستوى الاهتمام بالشأن العام والسياسي خصوصا، والالتزام والنضال من أجله؛
ثانيا:شيطنة السياسة من قبل الأنظمة الاستثنائية: عرفت موريتانيا ما يمكن تسميته "ربيعا سياسيا شبابيا" أواخر الستينات والسبعينات ومفتتح الثمانينات، كان الشباب ساعتها وقود الحراك السياسي والاجتماعي، وكان الشاب الملتزم والمنتظم سياسيا قدوة ومثلا يحتذى.
لكن الأحكام الاستثنائية لمست في الطموح الشبابي العارم، خطرا على "أمنها السياسي" فضربت بأياد من حديد، وسلقت بألسنة حداد من أجل شيطنة الالتزام السياسي في أذهان الشباب وأسرهم، وذلك بتوصيف التسيس على أنه معول هدم المشوار الدراسي تارة، بل وخروج عن الملة تارة أخرى، وعقوق للسلف ونواميس المجتمع أحايين أخرى.
وهكذا كان للجهد الدعائي الحاد للأحكام الاستثنائية مفعوله في تراجع المشاركة السياسية للشباب الموريتاني.
ثالثا: تمييع السياسة في العشرية الأولى من العهد الديمقراطي:. بدأت موريتانيا مسلسلها (لاحظ مصطلح المسلسل الذي يحيل إلى التمثيل المسرحي) الديمقراطي 1986، وبلغ ذروته بالانتخابات الرئاسية 1992، وما واكبها من استقطاب حاد بين الموالاة والمعارضة مما أدى مرة أخرى إلى توظيف الآلة الدعائية لفائدة نفير عام لصالح كل من الموالاة والمعارضة، على أساسات منها ما هو إثني وجهوي وقبلي ومنفعي...
و هو الأمر الذي أفقد السياسة قدرا معلوما من نبلها وطهارتها ونخبويتها، فأضحت في كثير من الأحيان ملجأ -أو قل متجرا مربحا للفاشلين والطفيليين- ومهنة من لا مهنة له وهو ما أدى على ما أعتقد إلى قدر كبير من المساهمة في عزوف الشباب الموريتاني وخصوصا الشباب الصالح و المتميز دراسيا عن السياسة.!!!.
رابعا: غياب سياسة عمومية لترقية المشاركة السياسية للشباب: لا غرابة أن تغيب خلال هذه الفترة - أواخر الثمانينات والتسعينيات وبداية العقد الأول من القرن الحالي- السياسات والبرامج العامة لترقية الشباب عموما ومشاركته السياسية خصوصا.
ذلك أن الأنظمة الاستثنائية أو شبه الاستثنائية كما بينت سالفا إنما تسعى إلى تدجين الشباب وتنويم حراساته، وتخدير عوامل فطنته. وما ذاك إلا لأن الشباب يعني الحيوية والحركة، والأنظمة الاستثنائية غير الديمقراطية ديدنها السكون والجمود وتأبيدُ "الاستقرار الوهمي".
و قد عاد الاهتمام دوليا و عالميا باستعادة الشباب لدورهم الريادي منذ السنوات الخمسة الأخيرة خصوصا بعد ّ ظاهرة الربيع العربي الذي كان شبابيا بامتياز و إن كان من الإنصاف ملاحظة أن الاهتمام بالشباب في بلادنا قد سبق الربيع العربي بسنوات من خلال تبني شعار تجديد الطبقة السياسية.
و قد شكل إنشاء و تفعيل المجلس الأعلي للشباب محطة وطنية مهمة في مسار "إحياء" دور الشباب في الشأن العام يتعين علي المجلس تعزيزها عبر تحريض ديناميكية و ّيقظة شبابية" طويلة النفس،ثابتة الخطي قد تكون الإجراءات العشرة التالية من أوكدها:
١- إعداد استراتجية عشرية شاملة من أجل ترقية المشاركة الشبابية في الشأن العام؛
٢- تبني مقاربة للضغط من أجل الإسراع في إصلاح جريئ للتعليم قوامه و نقاط ارتكازه تكافئ الفرص و التمييز الإيجابي للفئات الأقل حظا في التعليم و تحريض التميز و الألمعية خصوصا في التخصصات العلمية و التقنية؛
٣- قيادة المجلس الأعلي للشباب "لشبه ثورة" ضد العقليات الاجتماعية المنتشرة جزئيا ببعض الأوساط الاجتماعية و"المضادة للتقدم و الوحدة و الأمن الاجتماعي" كالاستخفاف بالعمل و تمجيد الطبقية و الاستعلائية،...
٤- تحرير شعار تجديد الطبقة السياسية: ذلك أن الشعار يعاني من آفتي التهويل و التهوين و يتعين تحريره بحيث يصبح " التجديد التكاملي للطبقة السياسية"؛
٥- العمل من أجل تخفيض سن الترشح للماموريات المحلية و الجهوية و البرلمانية إلي 18 سنة و المأمورية الرئاسية إلي 30 سنة؛
٦- الضغط ابتغاء تسهيل ولوج الشباب إلي عالم المال و إنشاء المقاولات العمومية؛
٧- إعداد خطة لمناصرة تبني الأحزاب السياسية للتمييز الإيجابي لصالح الشباب بالهيآت القيادية من خلال تخصيص "كوتا" للشباب علي غرار ما سنته بعض الأحزاب الممثلة بالبرلمان؛
٨- إاقتراح خطط وطنية و جهوية و مقاطعية لضمان إشراك الشباب في الشأن العام؛
٩- المبادرة باقتراح "كوتا" خاص بالشباب بالمجالس البلدية و المجالس الجهوية التي سيتم استحداثها؛
١٠- صياغة مقترحات بإضافة دروس إلي المناهج التربوية بالتعليم الإعدادي و الثانوي من أجل ترسيخ و إحياء ثقافة التطوع و الخدمة العمومية لدي الشباب ؛