قبل ستة أسابيع من موعد الانتخابات الرئاسية والنيابية الامريكية، سقط دونالد ترامب بالضربة القاضية من منافسته هيلاري كلينتون مساء الاثنين، بعد المناظرة التي تبادل فيها اللكمات الكلامية في العديد من الملفات.
المناظرة التي تصنف على انها الاولى بين المرشحين استمرت 90 دقيقة، ولكنها حسمت من منتصفها لصالح السيدة كلينتون لما تتمتع به من خبرة وقدرة على المناورة، بينما غابت الحقائق عن معظم مداخلات خصمها، وجرى اثبات ذلك عمليا على السنة الخبراء في معظم المحطات والصحف الامريكية.
استطلاعات الرأي التي أجريت اكدت تقدم السيدة كلينتون بنسبة 62 بالمئة، مقابل خصمها ترامب الذي لم يحصل الا على 27 بالمئة، ولكنها تظل المناظرة الأولى، وهناك مناظرتان قادمتان في الأسابيع المقبلة.
السيدة كلينتون وضعت ترامب طوال المناظرة في قفص الاتهام، وفي موقف دفاعي، وتحلت برباطه الجأش، وضبط النفس، على عكس خصمها الذي بدأ عليه التوتر، واتجه الى الهجوم الشخصي، والتركيز على ضعفها كأنثى، وعلى استخدامها ايميل شخصي وهو ما عرضها للمساءلة القانونية سابقا، وحاول ان يدافع عن سياساته العنصرية ومعاداته للهجرة، وعدم قناعته بتولي المرأة المناصب العليا، مما كشف عن جهله وعدم خبرته.
المناظرة كانت طريقا من اتجاه واحد، او عرض للشخص الواحد، أي هيلاري كلينتون، وسيحتاج خصمها وفريقه الى أيام لكي يستعيد وعيه من هذه الصدمة، ويعود ليقف على قدميه مجددا.
عالم اليوم يديره الاعلام وتؤثر فيه الكلمة والصورة، ولا شك ان السيدة كلينتون تكتسب خبرة كبيرة في كيفية التعاطي مع هذه الآلة الاعلامية الجبارة، بحكم منصبها السابق كوزيرة للخارجية، والفضيحة الجنسية التي لاحقت زوجها كلينتون، عندما كان ساكنا للبيت الأبيض.
من قواعد المناظرات الرئاسية الأساسية عدم السماح للجمهور بالتصفيق، ولكن الحضور لم يستطع ضبط جماحه عندما ردت السيدة كلينتون على سؤال لخصمها ترامب حول اعدادها الجيد لهذه المناظرة، بقولها “نعم لقد استعديت جيدا.. واستعديت أيضا للرئاسة وهذا امر جيد”، هذه الجملة قوبلت بتصفيق حاد، شكل خروجا على كل القواعد والمحظورات.
السيدة كلينتون هي مرشحة المؤسسة الامريكية الحاكمة التي تريدها ان تفوز، ولذلك توفر كل الإمكانيات والأدوات لتحقيق هذا الهدف، بينما يمثل خصمها “خوارج” النخبة الامريكية الحاكمة، ولهذا ستكون مسيرته صعبة نحو البيت الأبيض، وان كنا لا نؤمن بأنها مستحيلة، لان الناخب عامة، والامريكي خاصة، يميل الى الشخصيات “الشعبوية” وتجلى ذلك بوضوح في اكتساحه لانتخابات الحزب الجمهوري امام خصوم أقوياء.
ويظل الامريكيون محظوظين مرتين: الأولى لأنهم يملكون نظاما ديمقراطيا راسخا، والثانية هذه المناظرات التلفزيونية المباشرة التي يستطيعون من خلالها التعرف على هويتي المرشحين المتنافسين، وافكارهما وقدراتهما وشخصياتهما قبل الذهاب الى صناديق الاقتراع، وان كان من سوء حظهم هذه المرة ان عليهم الاختيار بين السيئين.
بالنسبة الينا كعرب ومسلمين، فنحن مثل شهود الزور، او الكم المهمش، ليس لنا أي قيمة او ثقل او وزن، نحن في قاع القاع، ويتفق المرشحان على الكراهية والاحتقار لنا، وابتزازنا ودعم اعدائنا، وهذه مسألة أخرى.
“راي اليوم”