البدء :
نعني بالخطاب :الخطاب السياسي في المهرجانات والحملات ومؤتمرات الصحف ومواقف السياسيين المعبر عنها شفاها كتابة ونقصد بفن الخطابة:الأساليب والافتتاحيات والعروض , ما يحسن وما يعاب ,ما يخدم الحوار وما ينفر الخ...
الموضوع :
الحوار المرتقب بدأ الحديث عنه منذ وقت وظل في بدء وتأجل ,ما ان يعقد يتأجل الي حين معلوم وغير معلوم حتي ليخيل إلي أنه تم وأنني المتأخر عن المواكبة فهل هذا صحيح ؟
ومن دون اجابة السؤال ولأن تخيل الأشياء لا يحولها الي حقيقة فلا نزال علي صواب في طرح السؤال: ما عسي يكون المعرقل خاصة أننا نلحظ في كافة خرجات المعنيين استعدادهم للحوارجزما منهم أنه المخلص الوحيد لما بات يعرف بالوضع السياسي في البلد .
إذا كان الفرقاء جميعهم يبدون استجابة والمناخ السياسي كما يري البعض بحاجة الي تنفيس بالنظر الي الضيقات المشهودة هنا وهناك فما المانع من أن يبدأ الحوار ونشهد نتائجه ونبني عليها قابل الأيام ؟
هذه الأسئلة -التي في الواقع لا تبحث عن أجوبة لعلاقة السياسة بالفلسفة التي تكون الأسئلة فيها أهم من الأجوبة - بحاجة إليتحليل وبحث عل وعسي نوفق-بضم النون- فنقف علي بعض أسباب معرقلات انطلاق الحوار الذي نعجب من كامل الاستعداد له دون أن نباشره .
بحث في الاسباب :
-علي المستوي السياسي :اجماع علي أهمية الحوار .
-علي المستوي الوطني :الكل ينادي به.
-علي المستوي الدولي :هو الحل لكافة الأمور .
ان كان ذلك كذلك فمن المصلحة أن نبحث في خطابنا السياسي الذي هو وسيلة الربط والتنسيق بيننا ,فقد يكون اشتمل عن قصد منا أو عن غير قصد علي ما من شأنه ابعاد التوصل الي الانفراج الذي ننادي به جميعنا.
ومما يدعم ذلك أننافي خطبنا نطلق العنان للألسن لا يهمنا ما يصدر :نحن نظن خطأ ان السياسة بلا أخلاق وأن زلاتها تمحي تلقائيا ولذلك لا نعتذر في نهاية الحملات عن ما قد يكون صدر وفيه اساءة للغير وكذلك نحن نري أن سحب العبارات بعد أن يتكلم بها–بضم الياء وفتح جميع ما بعدها- من عمل المستضعفين .
طامة أخري :يكاد رأينا العام يجمع علي أن الكلام السياسي مصاحب لعدم الالتزام وان المهارة السياسية رهن التفنن فيه يضاف اليه اننا نحن الناخبون نوصي بالقوة في الشخصية ونأخذ برأي أهلها أما السياسي المسكين المحب للعافية فنصيبه من التأييد جد زهيد : نحن مجتمع يعشق القوة حتى في الخطاب .
والصحيح اليوم أن السياسة اذا لم تسير بلين فلا ترتجي منها فائدة علي مستوي التقارب في وجهات النظر والاتفاق حول خرائط طريق تعصم من الفشل والانقسام .
ان ما يعاش من اضطرابات وحروب علي المستوي الدولي ينتج في الغالب عن الأساليب التي تتم بها معالجة الأمور حين يطرحها أهلها ولا يصادفون كياسة ما يلجئهم الي سلوكات لم تكن تخطر علي البال .
نحن هنا لا ندعو الي تبني الضعف منهجا لكن ننبه وننادي بالتعقل في الأمور وبإعطاء الفرصة للردود السلسة فرب كلام في أدب أخير من عطاء سخي بأسلوب قذر.
خطابنا السياسي :
يتناول الخطيب عادة الوضع السياسي بعجالة ليركز علي نقد الخصم ,يكون ذلك في الحملات وفي المهرجانات حتي ليخيلللمرء المستمع أن الخطاب السياسي متهجم بطبعه.
وبقدر ما يكون الخطيب عنيفا يجاب بالتصفيق عن وعي من المصفق وعن غير وعي في كثير أحيان.
ومن المفارقات أن موضوع المهرجان قد يكون :اعطاء الموقف من الحوار فيتم التركيز علي الهجوم علي الآخرين –وهو خروج عن الموضوع - ليقال في النهاية :نحن مع الحوار ,إن هذا لا يستقيم بل ولا يصمد .
ألم يتفطن هؤلاء الي أن كلامهم محسوب أم يعتقدون أن الكلام والخطب السياسية هي لمل ء الفراغ وأن الحكيم من المواقف يعبر عنه في الغرف الموصدة فقط ؟
ولئن كنا لا نطالبهم بتمثل الخطابة الفنية من تقديم وعرض وخاتمة وحسن صوت وبالإيجاز فلا أقل من أن يهتدوا الي حديثسوي خال من التنابز السياسي ومن النعت القذر فذلك شرط في اقامة العلاقة الطيبة في الجدال والحوار .
ان طغيان الكراهية في الخطاب والكلام لا يستشرف التوصل إلي اتفاقات تدوم بل يجعلها مستحيلة وذلك لما للكلام من تأثير في نفس المستمع ,عبر عنه أم أخفاه.
علي السياسي ان يعلم أنه بالإضافة الي انه يتوجه الي مناضليه فهو يخاطب معهم أناسا لا يعرفهم ولا يعرفونه وحري به أن يعمل علي التودد لهم وإقناعهم بأنه يدرك ما يقول.
و اذا سلمنا جدلا بأن الهجوم علي الغير جائز في الحملات فلا بد أن يعلم –بضم الياء-أن ذلك في حدود اللباقة واللياقة لأن المطلوب في النهاية ليس القطيعة بل تقريب وجهات النظر .
وأمثلة الخطب المستنهضة الحاثة علي الإقدام كثيرة لكنها مع ما تشمل من عتاب ونقد تلحظ أن الخطيب لا يسعى الي الفراق والطلاق وإنما يعمل الممكن من الأساليب لإحلال التلاقي والرفع المعنوي بين قومه .
ومن واجب الخطيب لفت الانتباه اليه وإعمال الحماسة والظهور بمظهر القوي لكن مع ادراك أهمية أن يعمد الي تجنب السعي الي اشاعة الرعب والتنافر والصدام والإخافة ونحو ذلك لأن المدار علي حصول القدر الأدنى من التناغم في الحوار .
ثم انه في مقام آخر يحسن استخدام اللفظ الحسن والأسلوب اللبق اللائق سبيلا للوصول الي المعني المقصود وإلانة كل صعب ,لا نتدارس هنا في مسألة الارتباط بين المعني واللفظ ,أيهما آثر انما نبرز أهمية انتقاء الألفاظ والأخذ بفن الخطابة قدر الامكان فذلك قد يساعد في احلال روح المودة وتقريب وجهات النظر.
لا أسعي الي بحث أكاديمي وان كان الموضوع يستحق وإنما حاولت اماطة اللثام عن ما قد يكون خفي واستتر من أسباب كي تناله يد الباحثين –وهم كثر-فيفوه قدره من الدرس اذ المهم –وهذه من عندي -هو إثارة وفتح شهية المبدعين .
مع رجاء الخير للجميع ..