يكثر الحديث بالدوائر الفكرية و السياسية و الإعلامية و الدبلوماسية الدولية و العربية خصوصا عن "مؤامرة سرية" تستهدف تقسيم و تجزئة بعض الدول العربية الحالية بذريعة استحالة التعايش العرقي أو الطائفي أو المذهبي أو المناطقي او الشرائحي أو العشائري،... بل يذهب البعض إلي الوعد و الوعيد بطبعة جديدة من "سايس بيكو" سيئة الذكر!!.
و ما أنا بقادر علي إخفاء أني أصبحت أميل قليلا إلي تصديق فرضية المؤامرة هذه بعد أن كان دافعان قويان يجعلانيً أَفِرُ منها فِرَارًا أولهما تَعَفُفِي عن نظرية المؤامرة شديدة الرواج، عالية المَبِيعِ ببعض الأوساط و "الأسواق" الفكرية و السياسية و الإعلامية و الثقافية العربية و ذلك لقناعتي بأنها ملجأ و مَنْجَي و مَنْأَي العاجزين و المُتَثَائِبِينَ و الكُسَالَي و التًبْرِيرِييِنَ،...
و ثاني الدًافِعَيْنِ إلي عدم اقتناعي بنظرية المؤامرة الغربية لتمزيق العالم العربي هو أني و إن سلمت جدلا بمصلحة الغرب في تفتيت و تجزئة الدول العربية القطرية فإني لا أثق في قدرته علي تحقيق تلك المصلحة لصعوبة التحكم فيما بعد قتل مشروع الدولة الوطنية العربية و استبداله بمشاريع دَوْلَتِيًةٍ عرقية أو طائفية أو مذهبية أو شرائحية،...
أما مَرَدُ مَيَلاَنِي اليسير إلي تصديق شائعة "المؤامرة التقسيمية" فهو حديث بعض مراكز الدراسات الأمريكية عن "حل الدولتين بسوريا"( ومراكز الدراسات بالغرب أغلبها "مختبرات استخبارات"( laboratoires de renseignements ضف إلي ذلك تراخي و تَثَاقُلِ دول الغرب في دعم وحدة الدولتين اليمنية و الليبية رغم تنامي خطر قيام "البَدَائِلِ الدًاعِشِيًةِ" أو "القَاعِدِيًةِ" بِتَيْنِكَ الدولتين.!!
و المتأمل لواقع الدولة الوطنية بالعالم العربي يمكنه تقسيمها إلي ثلاث فئات فئتان منها واقعتان علي شَفَا حُفْرَةٍ من "نار التجزئة و التقسيم" هما فئتا الدول الفاشلة و الدول السائرة عبر الطريق السريع( autoroute/highway) إلي الفشل أما الفئة الثالثة الناجية فهي فئة الدول لا زالت قابضة علي جمر الاستقرار و الوحدة رغم "العواصف السياسية" و "القيضانات الاجتماعية".
و سبيلا إلي التصدي لخطر تجزئة الدول العربية الحالية أقترح أن تُسارع موريتانيا بصفتها رئيسا دوريا لمجلس الجامعة العربية إلي تقديم مقترح للجامعة العربية يُرفع لاحقا إلي الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة يقضي بإدراج "مبدإ عدم المساس بوحدة الدول الوطنية" ضمن القانون الدولي أسوة بمبدإ "عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار".
و من الأكيد أن التقنين الدولي لمبدإ "عدم المساس بوحدة الدول الوطنية"(L’intangibilité de l’unité des Etats)سياسهم في فَرْمَلَةِ و كَبْحِ طموحات غُلاَةِ الدعوات العرقية و الطائفية و غُزَاةِ الأطماع الأجنبية و سيشكل عَضُدًا دوليا و ظَهِيرًا قانونيا لأنصار مشروع تثبيت و ترسيخ و ترشيد و تطوير و دَمَقْرَطَةِ الدولة الوطنية العربية باعتباره البداية الصحيحة الضامنة لسلامة تحقيق هدف الدولة العربية الكبري و الوطن العربي الكبير.