من الملاحظ أنه ما يكون من نَجْوَي ثلاثة و لا أربعة من الموريتانيين الحادبين، غير الغافلين عن مستقبل البلد إلا و كان موضوع "اللحمة الاجتماعية" و "التعايش الشرائحي" و "المظالم الاجتماعية المتوارثة" أحدَ عناوين حديثهم و نقاشهم و التعبير عن شيئ من قلقهم حول تنامي "التطرف و الغلو الشرائحي" و غياب "النخب الخالصة للوطن" عن دورها التنظيري و العملي في رأب الصدع الاجتماعي.
و من أسف أن موضوع " اللحمة الاجتماعية"يبدو اليوم متروكا للسجال الخالص بين اتجاهين أحدهما يستخدم قاموسا سياسيا ينتمي إلي معاجم إثارة الفتنة و تعجيل الصدام الشرائحي و إشعال " الحريق الاجتماعي" و أخرهما معتبر أن الحال طبيعي و أن الأمر لا يعدو "إملاء" أو "استقواء" أو "اختطافا" من طرف أجندات عنصرية أو إقليمية أو دولية "غير ناصحة" و لا صديقة لبلادنا.!!
و من الواضح أن حقيقة التعايش الشرائحي ببلادنا تائهة ضائعة بفعل صَخَبِ فسطاطي "التهويل و التخويف" من جهة و "التهوين و التخدير" من جهة أخري و أن الأمر لَمًا يصل بعد حد "البَتْرِ الاجتماعي") (La Rupture Socialeو لا " الكسر المجتمعي"( Fracture Sociale ) و إن كان استقر في مستوي" الصدع الاجتماعي"(Fissure Sociale) متوسط الإزعاج و القابلية للتحول و التطور إلي درجة الخطر الأعلي.!!
و ما من فائدة من تدافع المسؤولية التقصيرية في استشراف طرائق الوقاية من حصول ذلك "االصدع الاجتماعي" فهي تقع منذ ما قبل استقلال الدولة إلي يوم الموريتانيين هذا بالدرجة الأولي علي المراجع الإسلامية و المَرَاتِبِ العلمية و الرموز المجتمعية المدنية و التقليدية قبل أن تكون مسؤولية الحكام و الأحزاب السياسية و النخب الجامعية و الثقافية و النقابية و النضالية و الطلابية و الشبابية و النسوية.
و في تقديري أن من أهم المستعجلات الوطنية اليوم استنهاضُ "يَقَظَةٍ عَامًةٍ" و "نَفِير شامل" من أجل رأب الصدع الاجتماعي و إعادة بناء اللحمة الوطنية من خلال إعداد استراتجية وطنية شاملة واقعية و قابلة للتنفيذ تحقق المساواة و العدالة الاجتماعية و تحارب بحزم و جرأة و وازع شرعي و دافع وطني و شيئ من "الخروج علي المأوف" رواسب الاسترقاق المعيقة للتنمية و المهددة للحمة الوطنية.
و من المستحسن أن تبدأ الاستراتجية المطلوبة بتحديد أهداف طموحة، عملية، مُرقمة( chiffrés)، قابلة للتحقيق علي مدي فترة زمنية محدودة علي غرار تحديد الأمم المتحدة لأهداف الألفية للتنمية OMD))؛ أقترح أن تسمي " أهداف العشرية للحمة الاجتماعية"(Les (Objectifs de la Décennie pour la Cohésion Sociale-ODCS و أن تضم الأهداف الثمانية التالية:-
أولا:التطبيق الصارم للترسانة القانونية و التقاليد الإدارية المناهضة للاسترقاق و إجراء مسح استكشافي "فوق الدقة"،شديد الصرامة و شامل التراب الوطني بهدف القضاء النهائي علي الممارسات الشحيحة، المعزولة، المجهولة و "الجاهلة" للعبودية و تحقيق الهدف "صفر عبودية قديمة أو حديثة" خلال ما لا يتجاوز سنة واحدة؛
ثانيا: تخفيض نسبة الفقر في مناطق آدوابة و حواضن رواسب الاسترقاق بالمدن بنسبة 50% خلال عشرية اللحمة الاجتماعية؛
ثالثا: ضمان نفاذ سكان "حواضن رواسب الاسترقاق" إلي الماء الشروب و الكهرباء و السكن الاجتماعي و مرافق التعليم الأساسي و الصحة القاعدية بنسبة 80% خلال عشرية اللحمة الاجتماعية؛
رابعا: التنفيذ الحازم لإجبارية ختم الأطفال السلكَ التعليمي الابتدائي بمناطق حواضن رواسب الاسترقاق(نسبة100%) و تخفيض المعدل الحالي للتسرب المدرسي من السلك الإعدادي و الثانوي بنسبة 50%؛
خامسا: إرساء برنامج "المحظرة العاصمة" في مناطق رواسب الاسترقاق بهدف حصول خمسة آلاف(5000 ) طالب علي الإجازة في حفظ القرءان الكريم و إتقان نصوص الفقه التمهيدية خلال عشرية إعادة بناء اللحمة الاجتماعية؛
سادسا: تخصيص 30% من الميزانية العامة للاستثمار للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية للمناطق الحاضنة لرواسب الاسترقاق و ردم الفوارق التنموية المناطقية؛
سابعا:استحداث سياسة إسكانية و عمرانية لتشجيع "التساكن الشرائحي" و تحريم نشوء"الغيتوهات " و "الأحزمة الحضرية "غير طيبة الذكر"؛
ثامنا:استنهاض المجتمع المدني و المجتمع التقليدي و المنظمات الخيرية الوطنية و الدولية و الشركاء الإقليميين و الدوليين و المبادرات الفردية من أجل اعتبار مناطق حواضن رواسب الاسترقاق " مناطق تدخل تفضيلي"" Zone d’Action Privilégiée(ZAP) "