ترحيل اللبنانيين “الشيعة” من السعودية

اثنين, 2016-03-14 15:27

قرار وزارة الداخلية السعودية الذي صدر امس بتجريم، ومن ثم ابعاد “كل مواطن او مقيم يؤيد او يظهر التأييد او الانتماء الى “حزب الله” اللبناني، او يتعاطف معه، او يتبرع له، او يتواصل معه، او يأوي او يتستر على من ينتمي له” هو مقدمة لابعاد الغالبية الساحقة من اللبنانيين من اتباع المذهب الشيعي من المملكة العربية السعودية، وربما معظم دول الخليج الاخرى.

فمن يقرأ هذا القرار من جوانبه القانونية يدرك جيدا انه صيغ بطريقة محكمة جامعة شاملة، بحيث تشمل عقوبات السجن بتهمة الارهاب، او الابعاد، او الاثنين، جميع اللبنانيين الشيعة الا في حالات استثنائية نادرة جدا، وربما يفيد التذكير انه لم يسجل اقدام اي من اللبنانيين الشيعة المقيمين في السعودية لعشرات السنين في وظائف عالية على التورط في اي عمل ارهابي يهدد امن المملكة، او اي دولة خليجية اخرى.

فلا يكفي الانتماء للحزب للتجريم، والاعتقال والابعاد، وانما التعاطف، او الايواء، او التستر، او حتى الاتصال مع الحزب، اي ان كل مواطن لبناني شيعي له ابن ابدى تعاطفا في المدرسة مع الحزب، او انه بادر واتصل باخ او قريب، او حتى صديق متهم بالانتماء للحزب فانه سيرّحل هو وجميع افراد عائلته فورا، وهذا القرار قد ينطبق على جنسيات عربية غير لبنانية، وغير شيعية ايضا.

وزارة الداخلية السعودية قالت ان هذا القرار جاء تطبيقا لقرار مجلس التعاون الخليجي، ووزراء الداخلية والخارجية العرب باعتبار “حزب الله” حركة “ارهابية”، لكن هذه القرارات لم تنص على ابعاد المواطنيين اللبنانيين الشيعة من دول الخليج لاي سبب كان.

هذا القرار السعودي الذي ستطبقه حتما دول خليجية اخرى بدءا من البحرين، التي رحلت اليوم ثلاثة لبنانيين تحت التهمة نفسها، يتنافى كليا مع مبادىء حقوق الانسان والقوانين والشرائع الدولية.

الاتهام بالارهاب تهمة خطيرة جدا، وقد تستدعي احكاما بالسجن لعشرات السنين، بل الاعدام في بعض الحالات، وتطبيقها على شخص تعاطف، او ارسل اموالا الى جهات تابعة لحزب الله، او انتمى الى الحزب يحتاج الى اثباتات قانونية امام محاكم عادلة، ومستقلة، وهذه المحاكم غير موجودة في المملكة العربية السعودية للأسف.

السؤال هو: هل ستشق السلطات السعودية قلوب عشرات الآلاف من اللبنانيين لمعرفة من هو متعاطف او غير متعاطف مع “حزب الله”، وهل ستقيم محاكم تفتيش؟ وهل ستعتمد على الادلة ام الوشايات؟ وابتداء من اليوم ام بأثر رجعي؟ ام ان هذه القرارات مجرد غطاء فقط؟

انها قرارات سياسية ذات طابع طائفي بحت، يتم الباسها بأثواب قانونية فضفاضة جدا بهدف التضليل فقط، وستترتب عليها عواقب سلبية على المملكة وصورتها في العالمين العربي والاسلامي، وستعرضها لحملات، هي في غنى عنها، من قبل منظمات حقوق الانسان في العالم، في مثل هذا التوقيت الذي توقف فيه لوبيات وشركات علاقات عامة لتحسين صورتها في العالم.

ابعاد المواطنين الشيعة من دول الخليج تحت ذريعة التأييد او التعاطف مع “حزب الله”، يعني اعلان حرب على لبنان ودول اخرى، لان ابناء لبنان الذين يعملون في دول الخليج منذ عشرات السنين في حال ابعادهم يشكلون مصدر دخل كبير للخزينة والاقتصاد اللبنانيين، واعالة عشرات الآلاف من العائلات التي تعتمد على تحويلاتهم المالية، وفي هذه الحالة سيكون لبنان واقتصاده ومواطنية هم الضحايا وليس “حزب الله” المستهدف.

قطع الارزاق من قطع الاعناق، وحملات الترحيل للبنانيين الشيعة المتوقعة، ربما تعطي نتائج عكسية ابرزها تأجيج الارهاب وعملياته، ليس فقط داخل دول الخليج، وانما ايضا ضد المصالح الخليجية في الدول العربية والعالم، وهذا الاحتمال يجب ان يوضع في عين الاعتبار.

لا نعتقد ان الجهات التي تقف خلف اصدار مثل هذه القرارات قد درست ابعادها، وما يمكن ان يترتب عليها من مخاطر بطريقة متعمقة، لانها ربما تنعكس سلبا على استقرار بلدانها وامنها الوطني الداخلي، وسلامة مواطنيها، لانها تصب في مصلحة اشعال فتيل حرب طائفية، جزئية او كلية مدمرة.

عندما عارضنا قرارات وزراء الداخلية والخارحية العرب، ومن قبلها وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، انطلقنا من الخوف من توظيف هذه القرارات في عمليات ترحيل للمواطنين اللبنانيين في ظل الرغبات الانتقامية من “حزب الله” ومواقفه المعادية للمملكة العربية السعودية، ووعينا بالاخطار التي ستترتب على مثل هذه العمليات في منطقتنا العربية التي تحرقها الحروب الطائفية والاهلية والمؤتمرات الخارجية، ومن المؤسف ان وزراء الداخلية والخارجية العرب الذين سقطوا في هذه المصيدة لم يكونوا على درجة من الوعي والتبصر بالاهداف الحقيقة لهذه القرارات التي “بصموا” عليها.

الحكومات والشعوب الخليجية تساق مفتوحة العينيين الى “محرقة” طائفية تأتي في الوقت الخطأ، واشباع لغرائز انتقامية ثأرية شخصية باهظة التكاليف، بشريا وماديا.

نحن مع حماية الحكومات الخليجية لامنها والدفاع عن سيادتها واستقرارها وسلامة مواطنيها، ولكن ليس بسياسات الابعاد والاعتقال بسبب المعتقد والمواقف السياسية والعقائدية، وانما بالطرق والوسائل القانونية العادلة والمنصفة التي يتساوى امامها الجميع، دون اي تفرقة مذهبية او عرقية او دينية.

الحياة موقف.. ونحن في صحيفة “راي اليوم” ننحاز دائما الى حقوق الانسان، وقيم العدالة والمساواة والتعايش، ولن نحيد عن ذلك مطلقا.

“راي اليوم”