حرب غزة البداية والنهاية لنظرية استقرار الهيمنة في النظام الدولي.... تبدل موازين القوى وحقبة التحولات الجيوسياسية الرئيسية في العالم

خميس, 2025-03-06 05:41

تمر منطقة الشرق الأوسط المركز أو التي يحب البعض وصفها بغرب آسيا، بحالة مد وجزر على أكثر من صعيد وساحة مما يخلق مشاكل وتعقيدات لبعض الأطراف وفي نفس الوقت انفراجة وسبب تفاؤل للبعض الآخر. ملحمة طوفان الأقصى التي انطلقت قبل حوالي 18 شهرا في 7 أكتوبر 2023 تواصل فرض تحولات كبرى سواء في المنطقة أو العالم، تحولات يتضخم حجمها واتساع نطاقها بحكم تقاطعها وأحيانا توازيها مع صراع آخر يمكن تصنيفه بأنه بين الشرق والغرب، بين روسيا وحلف الناتو في أوكرانيا وسط شرق أوروبا، وكذلك المواجهة من أجل تعديل النظام العالمي الذي فرضه الغرب على العالم بهيمنة واشنطن منذ أكثر من ثلاثين سنة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي، يضاف إلى كل ذلك المسار الخطر الذي تتخبط فيه الولايات المتحدة في سعيها لمنع الصين من التفوق عليها اقتصاديا وعلميا وعسكريا.

الغرب بمفهومه السياسي والاقتصادي دخل حقبة جيوسياسية جديدة.. فأوروبا تستعد للانسحاب الأمريكي من معادلة أمنها. فقد فاجأت الولايات المتحدة شركاءها الأوروبيين برغبتها في الانسحاب التدريجي من الجغرافيا الأوروبية، إذ تسعى واشنطن إلى إعادة ترتيب أولوياتها الإستراتيجية والتركيز على مسارح أخرى أكثر أهمية، بما فيها منطقة المحيطين الهندي والهادئ. الحلم الأوروبي الأمريكي في هزيمة أو على الأقل استنزاف روسيا في الساحة الأوكرانية انقلب في الاتجاه المعاكس وانكمش اقتصاد الإتحاد الأوروبي وتمرد الناخب في القارة العجوز على قياداته التي وضعت كل مقدراتها وأدوات رسم مستقبلها في السلة الأمريكية.

إسرائيل التي قدرت أنها نجحت في توجيه الصراع فلسطينيا وعربيا لصالحها بعد عملية تفجير 4000 آلاف جهاز بيجر في 17 و 18 سبتمبر 2024 في لبنان ثم اغتيال زعيم حزب الله حسن عبد الكريم نصر الله ببيروت في 27 سبتمبر 2024، والقضاء على يحيى إبراهيم حسن السنوار في غزة في 17 أكتوبر 2024 وإسقاط حكم حزب البعث في سوريا في 7 ديسمبر 2024، واحتلال كل هضبة الجولان وجبل الشيخ ومناطق واسعة جنوب دمشق، بعد كل ذلك وجدت تل أبيب أنها أمام تحديات وعجز في غزة حيث استعادت حماس معظم قدراتها القتالية، وفي لبنان حيث أعاد حزب الله تنظيم هيكله القيادي وأسترجع قدرة الردع، وفي سوريا حيث تفرض تركيا واقعا استراتيجيا جديدا بتوسيع نفوذها جنوبا وهي تمزق تدريجيا ولكن بثبات مكونات مخطط انفصالي لإقامة دولة كردية من اقتطاع أراض تركية وسورية وعراقية وإيرانية، وحيث يفرض واقع الميدان حتمية صدام عسكري مع إسرائيل لأن الساحة لا تتسع لنفوذ وسيطرة قوتين. وإلى الشرق تكرر طهران تجربة كوريا الشمالية في تحدي الولايات المتحدة والغرب بالتحول إلى قوة نووية ومن ثم فرض انضمام أطراف أخرى بالمنطقة إلى النادي النووي ونزع قيمة ما تعتبره إسرائيل قدرة ردعها الأساسية.

تل أبيب ورغم ثقتها العمياء في الدعم الأمريكي، تواجه خطر انسحاب القوات الأمريكية من شرق الفرات وترك الحركات الكردية الانفصالية بدون السند الأساسي لاستمرارها، والى الغرب تقبر محاولات تفتيت السودان وليبيا.

تركيز اهتمام واشنطن على مواجهة تصاعد قوة الصين يقلق تل أبيب لأنه قد يعني الاضطرار إلى تقليص الدعم لها خاصة إذا أرادت ركوب مغامرة شن حروب جديدة ضد إيران أو مصر أو تركيا وغيرها.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اعترف يوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2024، إن "حالة عدم الاستقرار التي تعج بها الكثير من الأماكن حول العالم هي نتاج لحالة عدم الاستقرار في علاقات القوة والانقسامات الجيوسياسية". وأضاف: "من ميانمار إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومن هاييتي إلى اليمن، وما وراء ذلك، لا نزال نرى مستويات مروعة من العنف والمعاناة الإنسانية في مواجهة الفشل المزمن في إيجاد الحلول".

قبله بأشهر عديدة حذر رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة السابق مارك ميلي، من أن العالم قد يدخل في حقبة من عدم الاستقرار، على الصعيد الدولي، مع تنامي قوة الصين، وظهور تقنيات تخريبية كالذكاء الاصطناعي والروبوتات، التي قد تكون حاسمة في الحروب.

وقارن الجنرال ميلي الحقبة الحالية بالتحولات الجيوسياسية الرئيسية الأخرى التي حدثت في تاريخ العالم، بما في ذلك سقوط الإمبراطورية الرومانية وانهيار الاتحاد السوفيتي. وأضاف ميلي إن تنامي قوة الصين يحدث تغييرا في الوضع الراهن بعد عقود كانت فيها الولايات المتحدة بشكل أساسي "القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية العالمية الأولى بلا منازع".

وجاءت تصريحات ميلي بعد أيام من تحذير وزير الدفاع الأمريكي السابق لويد أوستن من أن الولايات المتحدة بحاجة للاستعداد لصراع محتمل في المستقبل يختلف كثيرا عن "الحروب القديمة" التي استنزفت إمكانيات وزارة الدفاع الأمريكية لفترة طويلة.

 

نظرية الدورة الطويلة

 

تصور نظرية استقرار الهيمنة أن النظام الدولي يميل إلى أن يبقى ثابتا عندما تكون دولة ما هي القوة العالمية المسيطرة أو المهيمنة. لهذا، يقلص انهيار الهيمنة الموجودة أساسا -أو الدولة التي لا تملك هيمنة- استقرار النظام الدولي. عندما تمارس دولة مهيمنة القيادة سواء من خلال الدبلوماسية أو الإكراه أو الإقناع، فهي تستعرض بشكل حقيقي رجحان قوتها. يطلق على ذلك بالهيمنة، ويدل على قدرة الدولة على السيطرة بشكل فردي على القواعد والاتفاقيات المتعلقة بالعلاقات السياسية والاقتصادية الدولية. تساعد نظرية استقرار الهيمنة على تحليل صعود القوى العظمى إلى دور قائد العالم أو المهيمن على العالم. إضافة إلى ذلك، يمكن استخدامها لفهم مستقبل السياسة الدولية وحسابها من خلال نقاش العلاقة التكافلية بين تراجع المهيمن وصعود خَلَفه. 

يعد جورج موديلسكي، الذي قدم أفكاره في كتاب "الدورات الطويلة في السياسة العالمية" الصادر عام 1987، المهندس الرئيس لنظرية الدورة الطويلة. بإختصار، تصف نظرية الدورة الطويلة العلاقة بين دورات الحرب والتفوق الاقتصادي والجوانب السياسية للقيادة العالمية.

تقدم الدورات الطويلة، أو الأمواج الطويلة، وجهات نظر مثيرة للاهتمام حول السياسة العالمية من خلال السماح بالاستكشاف الدقيق للطرائق التي تكررت بها الحروب العالمية، وكيف خلفت دول رائدة مثل بريطانيا من قبل الولايات المتحدة بطريقة منظمة. ينبغي عدم الخلط بين هذه النظرية وبين فكرة سيمون كوزنيتس عن دورات طويلة أو تقلبات طويلة، إذ تعد الدورات الطويلة للسياسة العالمية أنماطًا من السياسة العالمية الماضية.

تعد الدورة الطويلة، وفقًا للدكتور دان كوكس، فترة زمنية تدوم ما بين 70 إلى 100 عام تقريبا. في نهاية تلك الفترة "ينتقل لقب أقوى دولة في العالم من طرف إلى آخر". يقسم موديلسكي الدورة الطويلة إلى أربع مراحل. عندما تؤخذ فترات الحرب العالمية، التي قد تدوم ما يصل إلى ربع إجمالي الدورة الطويلة، في الحسبان، يمكن أن تستمر الدورة من 87 إلى 122 عاما.

تعتقد العديد من النظريات التقليدية للعلاقات الدولية، بما في ذلك المقاربات الأخرى للهيمنة، أن الطبيعة الأساسية للنظام الدولي هي الفوضى. ومع ذلك، تنص نظرية الدورة الطويلة التي قدمها موديلسكي على أن الحرب وغيرها من الأحداث المزعزعة للاستقرار هي نتاج طبيعي للدورة الطويلة والدورة الأكبر للنظام العالمي، إنها جزء من العمليات الحية للنظام السياسي والنظام العالمي. تعد الحروب قرارات نظامية تتخللها حركة النظام على فترات منتظمة. لأن السياسة العالمية ليست عملية عشوائية للإصابة أو الإخفاق أو الفوز أو الخسارة، اعتمادا على حظ الساحب أو القوة الغاشمة للمتسابقين، فالفوضى بكل بساطة لا تلعب دورا. إنما، وفرت الدورات طويلة على مدى القرون الخمسة الماضية، وسيلة لاختيار وتشغيل متتاليين لكثير من قادة العالم. 

 

بعد انتهاء المرحلة الأولى..

 

تشكل معركة غزة في تجددها بعد 7 أكتوبر 2023 مرحلة انتقالية في الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط لرسم المستقبل. والسؤال الذي يطرح مع بداية الشهر الثالث من سنة 2025 هو بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق إسرائيل وحماس.. هل يتجدد القتال بغزة أم تستمر الهدنة؟.

هناك اقتناع لدى أغلب المراقبين أنه رغم الدعم الأمريكي المطلق لتل أبيب إلا أن ساكن البيت الأبيض لا يريد على الأقل في المرحلة الحالية تجدد القتال في غزة خاصة لما يمكن أن يسفر عنه من انتشار المواجهات في كل المنطقة. هذه الرغبة وتعدد ضغوطات مراكز القرار في واشنطن تظهر في الكثير من التناقضات الموجودة على الساحة.

جاء في تقرير نشر في واشنطن يوم السبت الأول من مارس 2025:

كان من المفترض أن تبدأ مفاوضات المرحلة الثانية، التي تشمل إنهاء الحرب بشكل نهائي واستكمال الإفراج عن الرهائن، خلال الأسابيع الستة من المرحلة الأولى، لكن لم يتم التوصل إلى ذلك حتى الآن. 

وأبدت حماس استعدادها للإفراج عن جميع الرهائن "دفعة واحدة" خلال المرحلة الثانية، إلا أن وكالة أسوشيتد برس ذكرت أن الوصول إلى هذه المرحلة سيكون صعبا، حيث من المحتمل أن يجبر إسرائيل على الاختيار بين هدفين رئيسيين في الحرب: عودة الرهائن بشكل آمن، أم القضاء على حماس بالكامل.

إحدى الاحتمالات هي أنه بدلا من الانتقال إلى المرحلة الثانية، قد تحاول إسرائيل تمديد المرحلة الأولى من أجل مزيد من تبادل الرهائن مقابل المعتقلين.

وقال ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط في إدارة الرئيس ترامب، في مقابلة مع برنامج "State of the Union" على شبكة "سي أن أن" إنه يأمل في التفاوض بشأن المرحلة الثانية خلال تمديد المرحلة الأولى.

ولم يدعم رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو علنا فكرة تمديد المرحلة الأولى. فهو تحت ضغط من المتشددين في ائتلافه الحاكم لاستئناف الحرب ضد حماس، لكنه أيضا يواجه ضغطا من الإسرائيليين لإعادة الرهائن المتبقين.

وصرح ويتكوف إن نتنياهو ملتزم بإعادة جميع الرهائن، لكنه وضع "خطا أحمر" وهو ألا تكون حماس جزءا من حكومة غزة بعد الحرب، كما استبعد نتنياهو أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة.

يقول محللون، بحسب نيويورك تايمز، إن الحديث عن تمديد المرحلة الأولى، يعكس كيف أن الآمال في التوصل إلى اتفاق للمرحلة الثانية ونهاية سريعة للحرب قد تتلاشى.

السؤال الذي يطرح الآن هو، إلى متى يمكن أن يستمر هذا التمديد؟ ويقول ديفيد ماكوفوسكي، زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومستشار سابق في وزارة الخارجية الأمريكية. 

"بالنسبة لنتنياهو، هي مزيج من القناعة الإستراتيجية والحسابات السياسية. أعتقد أنه يعتقد حقا أن القوة هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع حماس، وهذا يعززه الحساب السياسي لوزير المالية سموتريتش الذي قال إنه سيطيح بالحكومة إذا لم يقم رئيس الوزراء بالقضاء على حماس."

وأضاف ماكوفوسكي، بحسب واشنطن بوست، إذا كان على نتنياهو أن يختار بين المرحلة الثانية أو المزيد من الحرب، "أعتقد أنهم سيقاتلون."

ذكر المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، يوم الخميس 27 فبراير، إن خطة الرئيس دونالد ترامب لغزة لا تهدف إلى تهجير الفلسطينيين، وإن الحديث عن مستقبل غزة يتحول نحو كيفية إيجاد مستقبل أفضل للفلسطينيين. 

الرئيس دونالد ترامب صرح إنه صاحب الفضل في وقف إطلاق النار، الذي ساعد ويتكوف في دفعه إلى خط النهاية بعد عام من المفاوضات التي قادتها إدارة بايدن ومصر وقطر. 

لكن ترامب أرسل منذ ذلك الحين إشارات متضاربة بشأن الاتفاق. في وقت سابق من شهر فبراير، حدد موعدا نهائيا لحماس للإفراج عن جميع الرهائن، محذرا من أن "الجحيم سوف ينفجر" إذا لم يفعلوا ذلك.

لكنه قال في النهاية إن الأمر يعود لإسرائيل، وجاء الموعد النهائي ومر دون أي تغيير.

وفي وقت لاحق اقترح الرئيس ترامب أن يتم نقل سكان غزة البالغ عددهم حوالي مليوني فلسطيني إلى دول أخرى وأن تتولى الولايات المتحدة زمام الأمور في القطاع وتطويره.

ورحب نتنياهو بالفكرة، التي رفضت من قبل الفلسطينيين والدول العربية، لكن ترامب تمسك بالخطة في مقابلة مع قناة فوكس نيوز خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخير من فبراير لكنه قال إنه "لا يفرضها".

 

محور فيلادلفيا

 

بينما انتهت المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس يوم 1 مارس يبقى مستقبل الهدنة غير واضح. لكن ما سيحدث في الشريط الحدودي بين مصر وغزة في الأسبوع المقبل قد يوفر مؤشرا حول كيفية تقدم الأمور. 

وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار المكون من ثلاثة أجزاء، من المفترض أن تبدأ القوات الإسرائيلية الانسحاب من ممر فلادلفيا بعد مرور ستة أسابيع على بدء الهدنة، بما يتزامن مع نهاية المرحلة الأولى من الاتفاق التي ستنتهي في ليلة السبت.

فمن المفترض أن تبدأ إسرائيل في سحب قواتها يوم الأحد من المنطقة الحدودية، وأن تتركها بالكامل بحلول نهاية الأسبوع المقبل.

وقال بنيامين نتنياهو، منذ فترة طويلة إن السيطرة الإسرائيلية هناك هي مصلحة أمنية وطنية أساسية، مما يضفي غموضا على هذه الخطوة.

محور فلادلفيا، هو شريط حدودي بطول 8 أميال يفصل غزة عن مصر، وقد ظهر كنقطة خلاف رئيسة في محادثات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.

وتم إنشاء الحدود التي تقسم مدينة رفح بين مصروغزة بموجب معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية عام 1979.

وبعد أن سيطرت حماس بالكامل على غزة عام 2007، أشرف مقاتلوها ومسؤولوها على حدود القطاع مع مصر ومعبر رفح، الذي يعد المخرج الوحيد من غزة إلى العالم الخارجي الذي لا تشرف عليه إسرائيل مباشرة.

وذكر مسؤولون إسرائيليون إن حماس كانت تهرب الأسلحة والمعدات لمقاتليها عبر الحدود المصرية، ووصف نتنياهو هذا الممر بأنه "صمام أوكسجين لحماس."

تقدمت القوات الإسرائيلية عبر المحور كجزء من هجومها العسكري على غزة، وبعد ذلك، جادل نتنياهو لعدة أشهر بأن ترك المنطقة سيعرض الأمن الإسرائيلي للخطر من خلال السماح لحماس بإعادة تسليح نفسها.

لكن في الوقت ذاته، التزم نتنياهو بالانسحاب من المنطقة الحدودية كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار.

وافقت إسرائيل على مغادرة المنطقة الحدودية في اليوم الخمسين من الهدنة، وهو ما يفترض أن يحصل في أوائل مارس، وعدم الالتزام بهذا الوعد سيزيد من حالة عدم اليقين في الهدنة الهشة بالفعل. 

لكن إذا تم الانسحاب وفقا للجدول الزمني، فقد يساهم ذلك في دفع الجهود التي يبذلها الوسطاء لتأمين الخطوات التالية في وقف إطلاق النار. 

تقول صحيفة نيويورك تايمز إن كلا من إسرائيل وحماس لديهما أسباب لتجنب جولة أخرى من القتال، فحماس ترغب في منح قواتها فرصة للتعافي، بينما تريد إسرائيل إعادة الرهائن المتبقين. لكن احتمالية التوصل إلى اتفاق شامل لا تزال بعيدة.

لقد جعلت إسرائيل الاتفاق الشامل مشروطا بنهاية سيطرة حماس على غزة ونزع السلاح من القطاع، وهو ما ترفضه حماس إلى حد كبير.

 

سلاح حماس 

 

مع اقتراب انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، يبدو أن إسرائيل وحماس، جنبا إلى جنب مع إدارة الرئيس دونالد ترامب والوسطاء من الحكومات العربية، بعيدين عن التوصل إلى اتفاق للانتقال إلى المرحلة الثانية الحاسمة من وقف إطلاق النار.

وفي قلب الجمود الحاصل الآن، يكمن السؤال: هل يمكن إقناع حماس، أو الضغط عليها، لتسليم سلاحها ومغادرة غزة، أم أن نتنياهو سيكون مستعدا للتسوية دون تحقيق مطالبه ودفع الثمن السياسي؟.

يقول محللون بحسب صحيفة واشنطن بوست، إن نتنياهو وقادة حماس يواجهون ضغوطًا سياسية متضاربة تجعل التوصل إلى اتفاق للمرحلة الثانية أكثر صعوبة من الأولى، وقد يكون استئناف الحرب مجرد مسألة وقت.

بالنسبة لنتنياهو، الذي أعلن منذ فترة طويلة أن هدفه في الحرب هو القضاء على حماس، فإن اتخاذ قرار بإنهاء الحرب قبل أن توافق الجماعة على نزع سلاحها سيغضب شريكه في الائتلاف اليميني المتطرف، وزير المالية بتسلاليل سموتريتش، الذي تعهد بإسقاط حكومة نتنياهو إذا لم يتم القضاء على الجماعة كقوة سياسية وعسكرية.

ففي الأسابيع المقبلة، سيحتاج نتنياهو إلى دعم سموتريتش أكثر من أي وقت مضى لتمرير الميزانية قبل الموعد النهائي في 31 مارس وتجنب إجراء انتخابات مبكرة.

أما بالنسبة لحماس، فإن التخلي عن أسلحتها يتناقض مع هدفها المعلن في شن نضال مسلح ضد إسرائيل حتى انسحابها من جميع الأراضي الفلسطينية.

وصرح مسؤولو حماس مؤخرا أنهم منفتحون على تقاسم السلطة مع فصائل فلسطينية أخرى في غزة، لكنهم يصرون على الاحتفاظ بقدراتهم القتالية، وهو دور مشابه لذلك الذي لعبته جماعة حزب الله في لبنان.

وقالت حماس إنها مستعدة لتسليم السيطرة على غزة لفلسطينيين آخرين، لكنها رفضت اقتراح إسرائيل بأن يذهب قادتها إلى المنفى. هذا يعني أن الجماعة المسلحة، التي لا تعترف بوجود إسرائيل، ستظل متجذرة في غزة.

 

ضغوط إسرائيلية داخلية 

 

كان النفوذ الذي يمارسه أعضاء اليمين المتطرف داخل ائتلاف نتنياهو الحاكم ظاهرا بشكل علني. 

فبعد أيام من إقرار اتفاق وقف إطلاق النار في تصويت الحكومة الإسرائيلية في يناير، قال سموتريتش، الذي يرى أن الاستيطان في الضفة الغربية وغزة هو واجب ديني، على منصة "إكس" إنه ضغط على نتنياهو لإضافة عمليات عسكرية موسعة في الضفة الغربية إلى أهداف الحرب الحالية لإسرائيل.

داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، قوبلت فكرة إعادة دخول غزة بمقاومة من بعض المسؤولين، الذين جادلوا بأنه لا يمكن لإسرائيل تحقيق أي أهداف عسكرية أخرى بعد معركة استمرت لمدة 15 شهرا.

ومع ذلك، أعد الجيش الإسرائيلي خططا لتجديد القتال بشدة أكبر مع تركيز خاص على منع تهريب المساعدات الإنسانية من قبل حماس.

وطلب وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، من الجيش استكشاف خطط للسيطرة على وتوزيع المساعدات الإنسانية المتدفقة إلى الأراضي، وهي فكرة قوبلت بالرفض من سلفه، يوآف غالانت، لأسباب عملية وقانونية، وفقا لمسؤولين إسرائيليين تحدثو لصحيفة واشنطن بوست.

ومع ظهور الرهائن الذين كانوا محتجزين لدى حماس من غزة في الأسابيع الأخيرة، دعا العديد من الإسرائيليين نتنياهو للمضي قدما إلى المرحلة التالية وتحرير جميع الذين تم أسرهم.

ويدعم 70 بالمئة من الإسرائيليين أن تستمر حكومتهم في المرحلة الثانية من الاتفاق، وضمان تحرير جميع الرهائن المتبقين وإنهاء الحرب، وفقا لاستطلاع أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي بين 28 يناير و2 فبراير.

 

اتفاق غزة إلى المجهول

 

جاء في تقرير نشر في واشنطن يوم الأحد 2 مارس 2025:

بعد ساعات من انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، ازداد الوضع تعقيدا في قطاع غزة بشكل متسارع، في ظل دعم إسرائيل للمقترح الأمريكي لهدنة مؤقتة خلال شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي، وتمسك حماس بتطبيق "المرحلة الثانية".

واقترحت الولايات المتحدة وقفا جديدا مؤقتا لإطلاق النار، يشمل إطلاق سراح نصف الرهائن، وافقت عليه إسرائيل.

لكن بيان من حركة حماس الفلسطينية، رفضت المقترح، وطالبت بتطبيق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي. وإعتبرت الحركة، الأحد، أن المقترح الذي وافقت عليه إسرائيل، "تأكيد واضح أن الاحتلال يتنصل من الاتفاقات التي وقع عليها".

رفض حماس تبعه بيان من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلينتانياهو، أكد فيه أنه مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق غزة ورفض حماس مقترح المبعوث الأمريكي، ستيف ويتكوف، "تقرر وقف دخول البضائع والإمدادات إلى القطاع".

وأضاف بيان نتانياهو أن إسرائيل "لن تسمح بوقف إطلاق النار دون إطلاق سراح رهائننا. وإذا استمرت حماس في رفضها، فستكون هناك عواقب أخرى".

وعادت حماس في وقت لاحق الأحد، وقالت إن "إسرائيل تتحمل مسؤولية مصير" الرهائن في قطاع غزة.

من جانبها، قالت هيئة البث الإسرائيلية، الأحد، إن نتانياهو "غير معني بالمضي قدما في المرحلة الثانية من اتفاق غزة"، ونقلت عن مصادر مقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه "يرى إمكانية استئناف القتال لفترة قصيرة للضغط على حماس لدفعها نحو إطلاق سراح مزيد من الرهائن".

كما نقلت عن مصادر مطلعة على المفاوضات، أن مسؤولين أبلغوا عائلات بعض المختطفين بأن حماس لن تقبل أي عرض جديد للإفراج عن أبنائهم دون بدء مناقشات حول وقف الحرب.

القيادي في حماس، محمود مرداوي، قال في بيان نقلته فرانس برس، الأحد، إن "الطريق الوحيد لاستقرار المنطقة وعودة الأسرى هو استكمال تنفيذ الاتفاق.. بدءا من تنفيذ المرحلة الثانية والتي تضمن المفاوضات على وقف إطلاق النار الدائم والانسحاب الشامل وإعادة الاعمار ومن ثم إطلاق سراح الأسرى في إطار صفقة متفق عليها".

وكانت إسرائيل قد أعلنت أنها ستتبنى مقترح ويتكوف بخصوص وقف إطلاق نار مؤقت في غزة خلال شهر رمضان، الذي من المقرر أن ينتهي في نهاية مارس، وعيد الفصح اليهودي الذي سيحتفل به في منتصف أبريل.

 

إفراغ كافة السجون الإسرائيلية 

 

سلطت صحيفة "معاريف" العبرية في مقال لها يوم 2 مارس، الضوء على انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة وصفقة تبادل الأسرى، مؤكدة أن "حركة حماس لا تستعجل الذهاب إلى حرب أخرى، لكنها رفعت الثمن عن كل أسير".

وأوضحت الصحيفة أن "حماس تطالب الآن بما بين 500 إلى 1000 أسير مقابل كل أسير إسرائيلي، بهدف إفراغ كافة السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم عناصر النخبة الذين شاركوا في هجوم 7 أكتوبر". 

ورجحت أن يتجه الجانبان نحو "مسار تصادمي"، متسائلة: "متى سيكون الموعد الحقيقي لعودة القتال العنيف في غزة؟".

ونقلت "معاريف" عن مصادر في وزارة الجيش الإسرائيلي، أن نتنياهو يتعرض لما وصفته بـ"الاحتيال"، بسبب ضغوط من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، موضحة أنه "لا يستطيع تنفيذ الخطوتين المركزيتين اللتين التزمت بهما إسرائيل في إطار الاتفاق".

وتابعت: "الأولى هي الخروج من محور فيلادلفيا هذا الأسبوع، والثانية هي المضي قدما في مفاوضات المرحلة الثانية"، منوهة إلى أن تل أبيب تمتلك عددا من الأدوات للتأثير على "حماس".

وبينت أن الأداة الأولى هي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي منح إسرائيل ائتمانا غير محدود، لكن هناك في وزارة الجيش من يقول إن الأمر يستحق وضع علامة تحذير، فمن المستحيل أن نعرف متى "يغير" ترامب موقفه ويوقف خط الائتمان.

وبحسب "معاريف"، فإن الأداة الثانية هي سفن الإمداد التي تحمل الأسلحة، بما في ذلك القنابل التي تخترق المخابئ، والتي وصلت إلى إسرائيل، وتعد هذه قضية بالغة الأهمية لأنها في المقام الأول وسيلة تكتيكية ذات تداعيات إستراتيجية خاصة، ويبدو أن إسرائيل تفكر من خلالها بمهاجمة إيران في مرحلة ما.

ولفتت إلى أن هناك أداة ضغط أخرى تستخدم في هذا السياق، وهي إبعاد الدول العربية عن قضية "حماس" وغزة، مع التركيز على مصر والأردن، اللتين تدركان أن قضية "حماس" قد تصبح مشكلتهما في عهد دونالد ترامب.

 

قضية المساعدات 

 

وذكرت أن "قضية المساعدات الإنسانية تشكل أيضا وسيلة ضغط مهمة لإسرائيل على حماس، مع التركيز على جلب القوافل والمعدات الأخرى التي تحتاجها حماس بشكل خاص". 

وتابعت: "تدرك إسرائيل أن كل يوم يمر دون البدء بأعمال إعادة الإعمار في غزة أو دون تقديم حل مؤقت لقضية سكن مئات الآلاف في القطاع يزيد من الضغوط الداخلية على حماس".

وأكدت أن "كل هذه الأسباب تستغلها إسرائيل حالياً لمحاولة تأجيل نهاية الحرب، وتأجيل الانسحاب من محور فيلادلفيا، وبالطبع الحفاظ على سلامة الحكومة خوفا من أن يقوم سموتريتش بتفكيكها".

وأشارت إلى أنه "خلال المحادثات التي جرت في الأيام الأخيرة في القاهرة، قدمت حماس "مفاتيح" جديدة للإفراج عن الأسرى. وتشير التقديرات في إسرائيل إلى أن عدد المختطفين الأحياء يتراوح بين 22 و24".

 

مخاطر إستراتيجية جديدة

 

كشف اللواء الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، إسحاق بريك، عن "مخاطر إستراتيجية جديدة" تهدد إسرائيل، مشيرا إلى أن "التهديد لا يقتصر على غزة ولبنان، بل يمتد ليشمل المحور التركي، والأوضاع في الأردن، وتعزيز الجيش المصري".

وأشار بريك في مقال نشره في صحيفة "معاريف" العبرية نهاية شهر فبراير 2025 إلى أن "هناك ضرورة للاستعداد لمواجهة هذه التحديات المستقبلية، وتجنب الفشل الذي حدث في الحرب الأخيرة".

وشدد بريك على أن "كل من خدع الجمهور وروج لانتصارات وهمية يجب أن يتحمل المسؤولية، بمن فيهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزراؤه، ورئيس الأركان هرتسي هليفي، وبعض الضباط والصحفيين الذين دعموا الرواية الرسمية".

كما كشف عن أن الجيش الإسرائيلي "لم يكن مستعدا للحرب، رغم التحذيرات التي أطلقها منذ سنوات"، لافتا إلى أن "المعركة في غزة أثبتت أن حماس والجهاد الإسلامي لا تزالان تحتفظان بقوة قتالية كبيرة، ولم يتم تحييد قدراتهما كما زعمت الحكومة".

وقال بريك إن "إسرائيل لم تهزم حزب الله، وأوضح أن "اتفاق إسرائيل مع حزب الله كشف ضعف الجيش الإسرائيلي، حيث اضطرت تل أبيب إلى التراجع عن جميع الأراضي التي سيطرت عليها في جنوب لبنان، في اعتراف واضح بعدم القدرة على تحقيق انتصار حاسم".

ولفت بريك إلى أن "الجيش المصري اليوم هو الأقوى في المنطقة، وهو موجه بالكامل ضد إسرائيل"، محذرا من أن "النظام الأردني قد ينهار ويصبح جزءا من المحور الإيراني أو التركي، مما سيشكل تهديدا جديدا على إسرائيل"، حسب قوله.

وأضاف أن "المحور التركي قد يصبح أخطر من المحور الإيراني في السنوات المقبلة، وهو ما يستوجب استعدادا عسكريا وسياسيا مناسبا".

وأكد بريك على ضرورة "التحرك نحو السلام مع السعودية والدول العربية الأخرى ضمن مشروع ترامب، مع تعزيز قدرات الجيش الإسرائيلي"، مشددا على أن "عدم الاستعداد لهذه التهديدات سيؤدي إلى كارثة جديدة".

وصرح اللواء الاحتياط في جيش الإسرائيلي، "نأمل أن لا نصل إلى مرحلة يحتاج فيها القادة الإسرائيليون مرة أخرى للاعتذار من الشعب بعد فوات الأوان".

 

دوامة الهبوط 

 

وأقر الجنرال المتقاعد، إن "إسرائيل في حروبها الأخيرة فقدت هدفها، مما أدى إلى جر الدولة لدوامة الهبوط، وإلحاق الضرر بالاقتصاد، وزيادة تكلفة المعيشة، والجمهور الإسرائيلي لا يستطيع تحمل ذلك، لأنه يؤدي لانهيار علاقاتنا مع دول العالم، وانهيار الجيش الصغير، وانهيار المرونة الاجتماعية، وتدفع أفضل العقول في مجال التكنولوجيا خارج الدولة، خاصة نخبة من التكنولوجيا العالية ومجال الطب".

وبين أنه "إذا لم تتمكن الدولة من توجيه سفينتها، فستجنح ببساطة، وتغرق في بحر من الدمار، ولا يمكن البقاء هنا، وإذا استمرت الحرب، فسنفقد المزيد من المقاتلين عبثا، ولن نتمكن من إعادة النازحين لمنازلهم، ويستمر الجيش في الاستنزاف لدرجة عدم القدرة على الدفاع عن نفسه، ومن ثم فإننا بحاجة لوقف الحرب، وتجهيز الدولة والجيش لمواجهة التهديدات المستقبلية، ووقف التدهور الاقتصادي، وإصلاح علاقاتنا المتداعية مع دول العالم، واستعادة الثقة مع جيراننا، وترميم المرونة الوطنية والاجتماعية التي تتلاشى".

وأضاف أن "ما يحصل على جبهتي غزة ولبنان ينسي الإسرائيليين ما يحصل في جبهات أخرى، مثل مصر والأردن، فالجيش المصري مثلا أصبح أقوى جيش في الشرق الأوسط، وكل تدريباته موجهة نحونا، وقام بإعداد البنية التحتية للحرب داخل سيناء، والسلام بيننا في الوقت الراهن على حافة الهاوية، وخلال عام 2024 بدأ المصريون يديرون ظهورهم لنا، ولديهم علاقات وثيقة مع الأتراك والصينيين والإيرانيين، مما يتعين علينا الأخذ في الاعتبار القوة العسكرية لمصر، وإعداد جيش إسرائيل للدفاع عن حدودنا معها، وقد يقرر الرئيس المصري المشاركة في حرب إقليمية شاملة ضدنا".

ورغم هذه المؤشرات، فلا يتم عمل شيء على المستويين السياسي والعسكري، حيث يفتقر جيش إسرائيل لأي قوات ينشرها ضد الجيش المصري، ولا يوجد رصد استخباراتي لما يحدث فيه، وهناك تجاهل تام وانعدام للتحضير والاستعداد للحرب ضده، وهنا يتكرر التاريخ، ومرة أخرى الغطرسة نفسها واللامبالاة الفظيعة التي كانت من نصيب المستويات السياسية والعسكرية، وأدت للفشل الذريع في غزة، بحسب بريك.

 

عمر نجيب

[email protected]