اوقفت المملكة العربية السعودية بث قناة “المنار” التابعة لحزب الله من على القمر الصناعي العربي “عربسات”، وهو الاجراء نفسه الذي اتخذته بحق قناة “الميادين”، وقنوات ليبية وسورية ويمنية اخرى، تحت ذريعة شن هجمات اعلامية متوالية ضدها.
المملكة العربية السعودية تقدم على هذه الخطوات لان مقر القمر الصناعي “عربسات” يوجد في عاصمتها الرياض، ويترأس مجلس ادارته مواطن سعودي، ولانها تملك ما يقرب من الاربعين في المئة من اسهم الشركة التي تديره.
“عربسات” قمر عربي تساهم فيه معظم الدول العربية ان لم يكن كلها، وتأسس بقرار من جامعة الدول العربية ليكون منصة اعلامية لجميع الحكومات والمؤسسات العربية التلفزيونية، والخاصة ايضا، اي انه لم يكن، ولا يجب ان يكون قمرا سعوديا.
اختيرت الرياض دون غيرها من العواصم العربية لانها كانت في حينها “حمامة سلام”، وتشتهر بكونها عاصمة للتضامن العربي، حيث كانت الحكومة السعودية تلعب دور الوسيط لتسوية النزاعات العربية، ونجحت في تسوية العديد من القضايا والحروب الاهلية ، وابرزها الحرب الاهلية اللبنانية، والآن انقلبت هذه الصورة رأسا على عقب، وتحولت “الحمامة” السعودية الى “صقر جارح”، تؤجج الصراعات العربية، وتخوض حروبا مباشرة في اليمن، وتدمر بناه التحتية والفوقية، الفقيرة والمعدمة، وتقتل الآلاف من ابنائه، وتمول وتسلح حروبا اخرى في سورية وليبيا.
قانونيا لا تملك السلطات السعودية الحق في اتخاذ مثل هذه القرارات بوقف من تشاء من القنوات الفضائية العربية، او تفرض عليها معاييرها الخاصة، ولكن لان عواصم القرار العربي المركزية، مثل بغداد والقاهرة ودمشق تدمرت من جراء الغزو الغربي الخارجي، او مؤامراته، واخرى مثل الجزائر، تعيش في حال من الشلل السياسي لمرض رئيسها، ومرورها بحرب دموية اودت بحياة مئتي الف انسان، وثالثة تدجنت ماليا من قبل دول الخليج، واصبحت السعودية تقرر كيفما تشاء، وتحجب من تشاء من الذين يختلفون معها وسياساتها، ويعارضون حروبها، ويرفضون ان يقدموا لها فروض الطاعة والولاء.
وزير الاعلام السعودي الدكتور عادل الطريفي اكد في تصريح لصحيفة “سبق” الالكترونية، ايقاف بث قناتي “المنار” و”الميادين” على “عربسات” الموالين لحزب الله وايران، “لانهما لفقتا من خلالهما الكثير من الشائعات والاكاذيب خلال عاصفة الحزم”، فاذا كان تلفيق الشائعات والاكاذيب يعرض صاحبه لوقف البث على القمر العربي “عرب سات” فان هذا في حال تطبيقه بشكل مهني قانوني صرف، يعني وقف بث جميع القنوات السعودية والخليجية، وعلى رأسها كل من قناتي “الجزيرة” و”العربية”، وعشرات القنوات الدينية الاسلامية، وربما يفيد التذكير بأن قناة “الجزيرة” نفسها كانت ستواجه المصير نفسه في زمن تأجج الخلاف السعودي القطري، لولا حدوث المصالحة بين الجانبين.
القنوات الخليجية والسعودية ليست بريئة من تهمة التلفيق والفبركة، وغياب الرأي الآخر، ولكن طالما ان الوطن العربي يدار حاليا من الرياض، وعواصم خليجية اخرى، فالتلفيق والكذب في هذه الحالة “حلال” و”قانوني” و”مشروع″، اما القول بأن “عاصفة الحزم” تشكل عدوانا على بلد عربي شقيق، وتقتل ابرياء، فهذا هو الكفر بعينه الذي يجب ان يدفع اي منبر اعلامي ثمنه حجبا وتشويها وحصارا.
الامر المؤكد ان القرار السعودي بوقف بث قناة “المنار” و”الميادين” وقبلهما “المسيرة” اليمنية، والقناة الفضائية الليبية، و”الاخبارية” و”دنيا” السوريتين، سيزيد من شعبيتها، ويزيد من دائرة انتشارها، وسيكون تأثيره محدودا، فالاقمار الصناعية تتناسخ مثل الارانب هذه الايام، وسيأتي يوم قريب نكتشف فيه ان “عربسات” سيكون الاقل متابعة، والاكثر عزلة، ولا تبث عبره غير القنوات السعودية او “غصب1″ و”غصب2″، على حد وصف احد الظرفاء السعوديين.
عارضنا وقف بث القنوات السورية على قمر “عربسات”، رغم اننا في صحيفة سابقة تعرضنا للمنع والمصادرة والحجب من قبل السلطات السورية، مثلما عارضنا حجب القنوات اليمنية والليبية، وتضامنا مع الزملاء في قناة “الميادين”، وسنتخذ الموقف نفسه تضامنا مع اي قناة، او صحيفة سعودية وخليجية تتعرض للحجب والمصادرة، ومن المنطق نفسه نعلن تضامننا مع قناة “المنار”، وكل الزميلات والزملاء فيها في وجه هذا القرار، بغض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا مع بعض جوانب سياستها التحريرية، فنحن مع حريات التعبير، ومع احترام الرأي الآخر، والتعددية الاعلامية على ارضية المهنية العالية واحترام القوانين وخصوصا الآخر.
في زمن انحسار الرقابات الرسمية، وتراجع كل، او معظم، وسائل الاتصال الجماهيري التقليدية لمصلحة وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة التي تنتشر مثل النار فيالهشيم، نعتقد ان المثل العربي الذي يقول “يذهب الحج والناس راجعة” ينطبق حرفيا على السلطات السعودية، وقراراتها غير المفهومة هذه.
رحم الله ذلك الزمن الذي كانت تقوم فيه السلطات السعودية بتسوية الخلافات العربية، وتتبنى الحوار للتقريب بين المذاهب والاديان، وتنتصر لكل قضايا الحق والعدالة العربية والاسلامية، ولا تتدخل في شؤون الدول الاخرى.
“راي اليوم