خرجت في جمع من الحالمين أتقفى أثر العابرين إلى بر الأمان .. كنت متلهفا لذلك .. لي معرفة بتقصي الآثار .. تعلمتها من حكماء البلدة أيام الدراسة الأولى.
هي فراسة لا تخطئ في الغالب إلا "إن البقر تشابه .." فالعابرون من ذوي الأحذية الخشنة كثر.
والمنتظرون على قارعة الطريق كثر.
والحالمون بالوصول إلى المدينة الفاضلة كثر.
ستون عاما من الترقب والتحسب .. والتكسب من وراء الحدود وقد "مسنا وأهلنا الضر".
تكدست الأحلام في سلة المهملات قِطَعاً من عبث الآلام بالآمال .. وَرُزماً من الأقلام تلهث خلف وطن يجر أثقال البداوة .. يحمل وزر الماضي ورزء الحاضر وهَمّ المستقبل.
وطن متعب بسذاجة العابرين وسماحة الحالمين.
وطن مثخن بالجراح.
وليس في نكء الجراح حياة.
فالنافخون في الكير هم أول من يكتوي بالنار.
"والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين".
سرت على خطى "ديلول" كي لا أتيه .. وكي أزداد حكمة تقي شر الشامتين وضعف الطامحين.
لم أجد أثرا يشي بأن العابرين مروا من هنا ذات صباح؛ حيث لا قلعة قائمة ولا نخلة باسقة.
لقد عبروا تحت جنح الظلام.
وخلع آخر العابرين نعليه أمام عتبة التعهد، وعاد بخفي حنين، ثم أعاد العبور من بوابة الطموح.