تقترب العلاقات بين سورية وتركيا من دخول مرحلة جديدة من التطبيع عقب قطيعة دامت أكثر من عقد من الزمن، إن هذا التطور المتلاحق في مسار العلاقات سيكون له الكثير من الانعكاسات الاستراتيجية، بالنظر لحاجة الإقليم إلى أكبر قدر من التعاون أكثر من المواجهة، بالنظر إلى البعد الاستراتيجي للدولتين وثقلهما في الإقليم.
على خط مواز، أعلنت تركيا عن سلسة من التحركات بدت مفاجئة للجميع على أكثر من مستوى بشأن سورية، فقد دعا أردوغان الرئيس الأسد والرئيس بوتين بزيارة تركيا والتي تمهد الطريق لعهد جديد من التقارب التركي السوري، وهذا ما أكده أردوغان أثناء عودته من كازاخستان بقوله: “قد ندعو السيد بوتين ومعه الرئيس الأسد بزيارة لتركيا قد يكون ذلك بداية لعملية جديدة”.
وفي هذا السياق إن الجميع في تركيا يرحب بتقارب العلاقات مع سورية ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، بما في ذلك أحزاب المعارضة التركية التي تشجع أردوغان على هذا الموقف، لأن تركيا وسورية لا يقدران على قطع العلاقات كل هذه الفترة، وبالتالي كانت هناك أخطاء سياسية سابقة وتعمل الحكومة التركية الآن على إصلاحها في توقيت شديد الحساسية لمواجهة ما يدور حولها من إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة.
بالنظر إلى طبيعة الملفات الخلافية بين أنقرة ودمشق، يريد أردوغان أن يسرع الحلحلة في الملف السوري بسبب ارتداداته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية على تركيا، فقد غيرت تركيا نهجها، مدركة أن التعامل مع الرئيس الأسد ضروري لمعالجة قضيتان هما قضية اللاجئين ويمكنه المساعدة في تحديد خارطة طريق لعودة السوريين المتبقين، وقضية حزب “العمال الكردستاني”، وعلى الصعيد الأمني، تشعر تركيا بالقلق من أن وحدات حماية الشعب (YPG) وفرعها المدني، الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سورية، تهدف إلى إنشاء منطقة تتمتع بالحكم الذاتي داخل ما يسمونه “جمهورية سوريا الديمقراطية، بالمقابل شدد أردوغان على منع إنشاء “دولة إرهابية” على طول حدودها بأي ثمن. وبالفعل، اعترضت تركيا بشدة على الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، والتي تم تأجيلها مرتين، في 30 أيار و11 حزيران، مع تحديد موعد جديد أوائل آب من هذا العام.
وفي جانب أخر يبدو أن الوساطة الروسية بين دمشق وأنقرة أدت أيضاً إلى تطورات في المجال الاقتصادي، حيث أعيد فتح معبر أبو الزندين قرب مدينة الباب، الذي يربط مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري والنظام السوري شرق حلب، أمام الممرات التجاري.
إن المتتبع للشأن السياسي ببلادنا يرى أن كل هذه الاتصالات تمهّد لاحتضان تركي لدمشق في المرحلة المقبلة، بعد ان لمس الأتراك سلبيةَ ابتعادهم عن سورية، غير ان البارز سيكون في زيارة وفود تركية دبلوماسية لدمشق وبالعكس
بالتالي هناك تأكيدات على أن الزيارة بين الرئيسين باتت قريبة جداً،.ولعل هذه الزيارة ستمثل التحدي الأكبر للأنظمة المعادية لسورية، إذ ستحدث ما يمكن تسميته مفاجأة دولية وضربة سياسية كبيرة تعكس جدية المواقف التركية تجاه سورية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ورسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن أنقرة جادة فعلاً في حماية المنطقة من الإرهاب بعد توسعه في المنطقة وعدم قدرة أمريكا والمجتمع الدولي على الحد منه.
لذلك وحسب المعطيات، إنه من المنتظر أن يُعزف النشيد الوطني السوري قريباً في أنقرة، إيذاناً بانتهاء مرحلة عصيبة من تاريخ المنطقة ، وبدء عودة سورية إلى موقعها الإقليمي والدولي، الذي حازته وتحوزه الآن، بفضل تضحيات أبنائها وجيشها، وإفشالها كل المشاريع الاستعمارية في المنطقة.
وإستكمالاً لكل ما سبق نقول: إن كل هذه المعطيات تشير إلى أن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، ما يعني نتائج جديدة وإيجابية لبعض دول الإقليم في المنطقة وعلى الأخص سورية، لذلك أرى أن هناك تحول كبير بالساحة السورية وتطورات كبيرة تعمل على تضييق الأزمة السورية، خاصة أن هناك دول غربية بدأت تعيد حساباتها وتغير موقفها تجاه الأزمة السورية.
وباختصار شديد، أصبح لزاماً على تركيا أن تعيد حساباتها وتحالفاتها الدولية والإقليمية وأن تشرع لإعادة علاقاتها بشكل كامل مع سورية في المنطقة لإعادة إستنهاض المنطقة للتصدي لكل محاولات إعادة ترسيم المنطقة بما يخدم أهداف المشروع الأمريكي الغربي.
أختم بالقول : اليوم إن الآمال معلقة على هذه الزيارة في التعامل مع عـدة ملفات والتوجه نحـو رؤية جديدة، يكـون أهمها انقاذ ما يمكن إنقاذه ، فسورية اليوم تتعافى من الحرب التي فرضت عليها، وتتخطى الظروف المعقدة.
الدكتور خيام الزعبي كاتب سياسي سوري