لا يعرف المحللون بعدْ لماذا عملت الولايات المتحدة الامريكية وحليفتها اسرائيل على التخلص من قادة السنة طوال السنوات العشر الماضية، فهم كانوا من حلفائها ومن الذين يسيرون في فلكها. فحطمتهم او قتلتهم او طردتهم او أرهبتهم بحيث جلسوا في منازلهم، وشملت عملية التحطيم قادة النظام السياسي، وقادة الفكر وقادة الصحافة الذين تم شراؤهم بمبالغ طائلة، وقادة النقابات وقادة الجامعات وقادة الحركات الفنية والثقافية التي صارت تلهث وراء جوائز غربية مثل جائزة نوبل وجائزة مهرجان كان، دون ان نذكركم ان العالم العربي لا يعطي جوائز للمبدعين، بل ان مكان المبدع العربي في زنازين المعارضة او فيزا الهجرة.
انا لا ادعو ولا أقبل تقسيم العالم العربي الى طوائف دينية او اثنية او عرقية او جنسية، ولكن امريكا فعلت ذلك، وجهدت لتحويل الدول العربية الى دول غنية ودول فقيرة بعدما أخضعت جامعة الدول العربية الى عملية اخصاء كاملة من دون مخدّر. فأصبح لدينا مجلس التعاون الخليجي على حدة، وسوريا النازفة على حدة، والعراق الضائعة على حدة، ومصر التي ينفرد بها العالم الغربي بأكبر عملية تركيع وتجويع منذ عهد محمد علي باشا وحتى اليوم. اما المغرب العربي فغرق في الرمال الليبية المتحركة، فيما بلاد الشام تركض وراء لقمة العيش والاختباء من داعش والقاعدة.
فبعد ان قتلت امريكا او تخلصت من الزعماء الكلاسيكيين، ونذكر من بينهم صدام وعرفات والقذافي ومبارك وعلي عبد الله صالح وزين العابدين، كانت خطّطت تماما لترك فراغ فكري وسياسي واداري وعقائدي بحيث يمنع على اي زعيم عربي ان يستقر في الحكم ويفكر في اي أمر قومي، وتراهم لا يفكرون سوى الدفاع عن عروشهم، فتحوّل الحكم في الدول العربية الى صراع للبقاء ودكتاتوريات مخجلة وقمع للحريات وفقر وجهالة، ويكتفى الزعماء بشظف العيش وافكار حسن النوايا عند واشنطن.
ثم يظهر حاليا التحالف الشيوعي الشيعي، وهو امر لا يوجد له اي تفسير في المادية التاريخية سوى "الصدفة"، وبما انه لا يمكن تفسير الصدفة الا على مبدأ الضرورة، فان الضرورة دفعت اليسار العربي الرافض لامريكا ومشاريعها للتحالف مع كل من يقف ويتحدى واشنطن ونظرياتها الداعمة للصهيونية.
وما ان تراجعت القاعدة "متطرفون من اهل السنة"، حتى ظهرت داعش (سفّاحون من أهل السنة). فصار المواطن العربي السني مخير بين حاكم ضعيف مستسلم ويتلقى الاوامر من عملاء السي اي ايه، أو جون السفاح وأبو قعقاع والبغدادي الذي يقطع الرقاب، في مشهد سريالي دامٍ له اول وليس له آخر. ولا احد في العالم يلتفت الى ان داعش الحقيقية موجودة في وسط الارهابيين اليهود الذين يحرقون العرب وينفذون جرائمهم دون حسيب او رقيب.
وعلى ذمة الرئيس الروسي بوتين فان 40 دولة تدعم داعش، وانتم تعرفون ان عدد الدول العربية لا يتجاوز 22 دولة، ما يعني ان هناك 30 دولة غير عربية تدعم داعش !!!! فيزداد التطرف الديني ومعه يزداد كل يوم عدد الملحدين في العالم العربي بشكل كبير وصادم.
كنت في مقالة سابقة توقّعت ان يستمر الوضع العربي الراهن عشر سنوات، ولكن مثقفين وسياسيين مثل محمد حسنين هيكل وصائب عريقات توقعوا ان يستمر الوضع الراهن لأكثر من 15 عاما. ما يعني ان الانتفاضة الفلسطينية الراهنة ستستمر 15 عاما وأكثر. بل ان الاعلامي المصري ابراهيم عيسى يقول ان السبب وراء "الارهاب الاسلامي" هو مغالطات ابن تيمية وأحاديث البخاري وأموال الوهابيين. اما اخرون فيقولون ان داعش لم تظهر لها شوكة الا بخبرة وسلاح حزب البعث العراقي الذي يبحث عن الانتقام من امريكا وحلفائها في بلاد ما بين النهرين.
ولكن ربما وفي اية لحظة سيظهر من فلسطين، أو من زنازين السجون، أو من شوارع القدس، قائد فلسطيني لا يفرق بين سني وشيعي، ولا بين مسيحي ومسلم، ولا بين عربي وعجمي الا بالتقوى، يعيد الهيبة لهذه الامة، ويعيد التوازن الى العروبة التي تنتظر الترياق المضاد، ويخلصها من السموم التي زرعتها امريكا في جسد العرب.
د. ناصر اللحام