مهما كتبنا ونشرنا عنها و تظاهرنا لها و قضينا الساعات متسمرين نتابع غزة فإن ذلك لا يغير شيئاً ملموساً في السياسات المؤيدة للصهيونية. بالتأكيد هناك بعض المردود، مثل تأليب رأي عام و تنوير بعضٍ من الجيلِ الذي نشأ على ثقافةِ قبول الأمر الواقع. لكنه لا يوقف وحشاً صهيونياً من استخدام هذه القوة المميتة ضد فلسطين وجنوب لبنان و تهديد باقي لبنان و اليمن و بالطبع انتهاك المدن الفلسطينية وقتل شبابها و أسرهم و ترويع العائلات ببيوتها و أيضا قصف سوريا. ولا يوقف البذاءة اللاأخلاقية ضد من يعارض قتل الفلسطينيين.
بالمثل هذه الجولة الوزارية العربية الإسلامية، التي تفتح عواصمها لسفارات الصهيونية، تزرع في جولتها البحر المالح و تحصد الظمأ. فلو وضعَ كل وزيرٍ منهم تهديداً على طاولة المحادثات أمامهُ لربما نجحوا. لو حتى ضربوا تلك الطاولة الأنيقة بقبضة يدٍ غضباً. لكنهم كانوا يستجِرُّونَ عطفاً و يبيعون قولاً سمعه المقابل آلاف المرات و لم يتأثر. و لن يتغير. هل سمعتم عن الوزير الفلسطيني المُعَمِّرْ في وزارته الخارجية يُمنعَ من التصريح لوسائلِ الإعلام الأمريكية بأمرٍ من حكومتها طالما هو في واشنطن؟! هكذا نقلت الأخبار. يعني هو صاحب المسألة و قُضِيَ عليه بالخرس، فهل يأمل بالتعاطف منهم و الموافقة مع طروحاتهِ؟ لن نزيدَ من الوصف للازدراء والإذلال الذي نشعر به ربما قبل الوزراء و أكثر منهم. فقد وُضعت الصحف وجفت الأقلام فيما يتعلق باللغة الدبلوماسية.
إن أمريكا أكملت إرسال ٢٠٠ طائرة نقل عسكرية للصهيونية تحمل ما تحتاجه الربيبة في القضاء على غزة و غير غزة. و سترسل لها بعد أيام ١٤ ألف قذيفة دبابة شديدة الانفجار. هذا هو المُعلن أما المخفي فهو أعظم. فكيف يحلم الوزراء بتأييد واشنطن لهم و هذا القرار كان قيد التوقيع و هم يجلسون مع بلينكن في الخارجية الأمريكية. ثم تلى الاجتماع التصويت بمجلس الأمن و كأننا نحتاج دليلاً علي الانحياز الكامل للصهيونية.
وزراءنا الأكارم بكل تأكيدٍ بسيطٍ لا يملكون أن يتفاوضوا. التفاوض يحتاج أدوات قوة. القوة عندهم ببلادهم موجودة و معطلة. فلا هم يستخدمونها و لا هم يتبنون المقاومة لتكون قوتهم بل يتنصلون منها كما قال أحدهم أنها عقائديةٌ و جزءٌ من “الإخوان المسلمون”. الوزراء يقولون أن الموضوع الأساسي لهم هو حماية المدنيين وعدم توسيع الحرب. و هذا مطلبٌ ضروري لكنه هدفٌ لن يتحقق بالمحادثات المؤدبة. كلنا نعلم ذلك. لكن لا حياةَ لمن تنادي. فما هو المطلوب عندما يستمر العدوان؟
لن تدخل الجيوش العربية حرباً من أجل غزة. الحرب هي حرب المقاومة التي عليها أن تنتصر أو تنهزم. و ما هو النصر و ما هي الهزيمة؟ النصر أن لا تحقق الصهيونية أهدافها في القضاء على المقاومة واستعادة الأسرى عُنوةً وفي وضع غزة تحت سيطرتها المباشرة أو غير المباشرة. النصر هو في استطاعة المقاومة استرداد الأسرى الفلسطينيين و تبييض السجون و في امتداد نفوذها لباقي فلسطين. يعني هذا بقاء قوتها و قدرتها على معاظمة القوة التي تملكها و ردع الصهيوني إن لم يكن استرداد أراضٍ منه أو على الأقل منعه من استغلالها.
وما هي الهزيمة؟ هي في تدمير البنية المقاومة في غزة وقتل قادتها و تحطيم الروح المقاومة لدى الفلسطينيين و في السيطرة على القطاع بالاحتلال لأشهرٍ طويلة ريثما تتم إجراءات “احتلاله” بواسطة تواجدٍ دولي قد يكون تحت علم الأمم المتحدة و قد يكون تحت اسمِ تحالفٍ دولي عربيٍّ. و أقول “احتلاله” لأن من شروط الصهيونية في حال انتصارها لا سمح الله أن تكون لها اليد العليا الحاكمة للقطاع. و قد تكون المكالمة ذات الخمسين دقيقة بين الرئيس الروسي پوتين و النتن ياهو اليوم، ثم تصريح الوزير لاڤروڤ عن الحاجة لقوات دولية في غزة، مقدمةً لعرضٍ بشأنِ “تأمين” القطاع بقوات دولية وإنهاء الحرب. هل هذا العرض بهذه السهولة؟ الجواب الواضح أنه سيكون عرضاً غير جدَّي ما لم يستوفي شروط المقاومة و شروط الصهيونية إن لم يُهزم و ينتصر أحدهما. لكن الريبةَ تتسلل عن كنه المحادثة/العرض، إن كان من عرض، لأن هذه المكالمة الطويلة تأتي بعد لقاءات الرئيس الروسي في الرياض و أبوظبي و مع الرئيس الإيراني. شيئٌ ما يحدث. و الحرب لم تعد شأناً فلسطينياً بل أمريكياً بكل قوة ليس فقط من خلال التزويد العسكري الأمريكي للصهيوني والغطاء السياسي و الإعلامي و لكن من الربط بين حماس غزة و پوتين أوكرانيا فقد قالت واشنطن عبر وزير دفاعها أنها لن تسمح بنصرٍ لحماس في غزة أو لپوتين في أوكرانيا! فهل ستسمح لروسيا بقيادة الحل للحرب؟ مستحيل. فهل هو التدخل الروسي رغماً عن إرادة واشنطن أم هو من قبيل رفع العتب؟ هل كان ترغيباً بالحل أم ترهيباً من العواقب؟ ستأتي الأخبار بالتفاصيل قريباً. و ستستمر الحرب.
بغض النظر، نحن نؤمن أن الحرب هي حرب بقاء و فناء. هكذا دون مواربة و دون كثير تحليل. هي بين الحق والباطل. بين النور و الظلام. و نحن الحق و النور و نحن النصر الآتي.
علي الزعتري دبلوماسي أُممي سابق الأردن