واجهة جديدة لمعركة أسعار النفط الروسي وعقبة احتكار التأمينات.... هل ينتصر الغرب أم يحصد إخفاقا تاريخيا ؟

ثلاثاء, 2022-12-06 03:38

فصل مواجهة آخر انطلق مع بداية شهر ديسمبر 2022 بين روسيا من جهة والغرب الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ويضم دول الاتحاد الأوروبي وكندا وبريطانيا واستراليا واليابان من جهة أخرى. الفصل الجديد يتعلق بفرض حد أقصى لسعر النفط الروسي قدره 60 دولار للبرميل وذلك في نطاق محاولات الغرب إضعاف الاقتصاد الروسي وعزله عالميا على أمل أن يقود ذلك إلى إجبار موسكو على وقف عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا وجهودها المشتركة مع الصين والهند وأطراف أخرى لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب بدل النظام الأحادي الحالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. المحاولة الغربية الأخيرة تأتي بعد أن فشلت جل عمليات الحصار والعقوبات الغربية التي تصاعدت وتيرتها منذ 24 فبراير 2022 والتي لدهشة الكثيرين ألحقت أضرار أكبر بالغرب الذي فرضها من تلك التي أصابت الطرف المستهدف.

ويبدو من فكرة فرض سعر معين على النفط الروسي، أن المجموعة الغربية تحاول استخدام قوتها الاقتصادية لخفض أسعار النفط الروسي تحت مستويات الأسواق الحرة، وذلك عن طريق استغلال قواها الاحتكارية الشرائية في بناء كارتيل مشترين يضغط على أسعار النفط الروسي، ويجبرها على التراجع إلى مستويات تقل عن باقي أسعار النفط الأخرى. وكان الاتحاد الأوروبي قد قرر، في بداية يونيو 2022، منع شركاته من تقديم التأمين وإعادة تأمين وتمويل شحنات النفط الروسي عبر البحار بعد نهاية 2022، وانضمت بريطانيا لاحقا إلى هذا المنع.

اختلفت ردود الفعل والتقديرات بشأن فعالية الإجراء الغربي الصادر يوم 4 ديسمبر 2022، البعض أشار إلى أن من شأنه إلحاق أضرار كبيرة بالقدرة الاقتصادية والعسكرية الروسية في حين قدر آخرون أن الإجراء لن ينجح بل أنه قد يزيد من المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها اقتصاديات الدول الغربية وما يتبعها من تأزم سياسي ومجتمعي، كما سينعكس بشكل سلبي على بقية دول المعمور بسبب الارتفاع المرتقب في أسعار النفط والغاز نتيجة إعادة مسارات تسويق مواد الطاقة. زيادة على كل ذلك وفي غيبة زيادة دول اوبك بلس لإنتاجها يبقى حجم العرض والطلب العالمي على النفط شبه متوازن، ومعنى ذلك أنه إذا حصلت دول الغرب على حاجتها النفطية من غير روسيا فإن الفراغ الحاصل في دول ليست طرفا في الحصار ستحصله من موسكو. الثقب الآخر في مظلة المخطط الغربي أن موسكو تملك أنابيب نفط وغاز تربطها بالصين وتركيا ودول أخرى وهي في مأمن من أي قيود على الأسعار.

يشار إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان قد علق على الموضوع في وقت سابق، بالقول، إن روسيا لن تبيع أي شيء للخارج إذا كان يتعارض مع مصالحها الخاصة.

 

قرار الاتحاد الأوروبي

 

نشر الاتحاد الأوروبي في الجريدة الرسمية، قراره المتعلق بفرض سقف على أسعار النفط المستورد من روسيا. ويحتوي ملحق للوثيقة على جدول، تم من خلاله التوضيح أن سقف سعر برميل النفط الروسي يجب أن لا يتجاوز 60 دولارا. وجاء في الوثيقة: "يمنع بشكل مباشر أو غير مباشر، تقديم المساعدة الفنية وخدمات الوساطة أو التمويل أو المساعدة المالية المتعلقة بالتجارة أو الوساطة أو النقل، بما في ذلك عن طريق الشحن من سفينة إلى أخرى، وإلى بلدان ثالثة، فيما يتعلق بالنفط والمشتقات النفطية المنتجة في روسيا أو التي تم تصديرها من روسيا". قبل القرار الأوروبي بساعات أعلنت مجموعة السبع التي تضم أعضاء في الاتحاد الأوروبي إضافة إلى أستراليا وكندا، التوصل إلى اتفاق مماثل.

الموقف الغربي تزامن يوم الأحد مع قرار منظمة "أوبك" والدول المنتجة من خارجها "أوبك بلس"، الإبقاء على مستويات الإنتاج الحالية، المقررة في 5 أكتوبر 2022، والقاضية بخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل في اليوم حتى نهاية 2023، وهو الأمر الذي أثار غضب واشنطن وزاد من تهديداتها لدول الأوبك بشكل عام والسعودية بشكل خاص واتهامها بالانحياز لروسيا ومساندتها في مواجهتها مع الغرب.

منظمة أوبك بينت خلال الاجتماع الوزاري الذي عقد يوم الأحد، برئاسة الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، أن القرار كان الإجراء الضروري والصحيح لتحقيق استقرار أسواق البترول العالمية، والتزاما بنهج الاستباقية والمبادرة، مؤكدة استعدادها للاجتماع في أي وقت، واتخاذ المزيد من الإجراءات الفورية لمعالجة أي تطورات في السوق، لدعم توازن أسواق البترول واستقرارها، متى ما تطلب الأمر.

كما قررت المجموعة تعديل وتيرة الاجتماعات الشهرية للجنة الوزارية المشتركة لمراقبة الإنتاج، لتكون كل شهرين، مع منح اللجنة صلاحية عقد اجتماعات إضافية، أو طلب عقد الاجتماع الوزاري للدول الأعضاء في أوبك بلس، في أي وقت، للتعامل مع أي تطورات في السوق، متى ما تطلب الأمر.

وأكدت على أهمية الالتزام التام بالاتفاق وآلية التعويض، والاستفادة من فترة التمديد المعتمدة في الاجتماع الوزاري 33 لأوبك بلس، مشيرة إلى الاجتماع الوزاري 35 للدول الأعضاء في أوبك بلس، سيعقد في الأول من فبراير 2023.

 

تحذيرات سابقة

 

خلال شهر سبتمبر 2022 وبينما كانت الدول الغربية الملتزمة بتوجيهات البيت الأبيض بشأن التعامل مع الكرملين تضرب أخماسا في أسداس بشأن خريطة التعامل مع مصادر الطاقةالروسية، صدرت تحذيرات كثيرة من الأخطار التي قد تتولد.

حيث حذرت شركة فيتول الدولية لتجارة الطاقة والسلع من تأثير القرار بخريطة الشراء في الأسواق الدولية. وأطلق رئيس الأعمال الآسيوية في شركة "فيتول" مايك مولر صافرة إنذار للتحذير من رفع روسيا لسعر خامها وإلغاء التخفيضات التي كانت قد أقرتها عليه عقب الحرب الأوكرانية، بحسب ما نقلت عنه ستاندرد آند بورز غلوبال كومودتي إنسايتس (S&P Global Commodity Insights) الأحد 4 سبتمبر.

يؤثّر تحديد سقف لسعر النفط الروسي في خريطة الشراء العالمية، إذ يعمل على توسعة نطاق المشترين لخام موسكو، لكن في الوقت ذاته يرفع الخصومات والتخفيضات التي كان يتمتع بها لترويج شرائه. وأوضح مايك مولر أن الأسواق المستوردة للخام الروسي سوف يتسع نطاقها، بالإضافة إلى أن التخفيضات التي أقرتها موسكو على الخام والمنتجات النفطية قد تتقلص في ظل إقبال مشترين جدد.

ونجحت موسكو خلال الأشهر الأخيرة من الصيف الماضي في اجتذاب المشترين الآسيويين، ومن ضمنهم الأسواق الهندية والصينية، بعدما خفضت سعر خامها إلى أقل من الأسعار العالمية.

وأكد مايك مولر أن تدفقات النفط الروسي تشكل 11 في المئة من الإمدادات العالمية وأن الإنتاج الروسي من النفط يتسم بقدرة إنتاجية عالية تصل إلى 11 مليون برميل يوميا، ولذا يجب النظروالموازنة في أي عقوبات قد تفرض عليه قبل إقرارها.

وأكد مولر أن إدراك تحالف أوبك+ لسيناريوهات السوق حتى في حالة إضافة تدفقات النفط الإيراني، أو عدم إضافتها، يشكل نقطة جوهرية، لاسيما أنها تتزامن مع بلوغ الطلب في آسيا ذروته وتوقيع العقود في أكتوبر.

وتتفق رؤية مولر مع تحليل أجرته "بلاتس أناليتيكس" أكدت فيه أن إتمام الاتفاق حول خطة العمل المشتركة قد يرفع صادرات الخام والمكثفات بمعدل مليون برميل يوميا بحلول مارس 2023.

ويشير محللون إلى اضطرابات الطقس والتغيرات المناخية التي تطرأ على بعض البلدان وانخفاض المخزون الأمريكي يثيران قلق أسواق النفط أيضا.

 

ثقة مزعزعة

 

يشير بعض المحللين إن تحديد سعر النفط الروسي من طرف الغرب ليس سقفا للسعر حقا بل قيد على شركات الشحن والتأمين.

وصفت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت إل يلين، الخطة بأنها حد أقصى للسعر، لكن يكاد يكون من المستحيل التلاعب بسعر سلعة عالمية مثل النفط. في المقابل، تعتمد الخطة بشكل كبير على الهيمنة الأوروبية على صناعة التأمين البحري، وهي شبكة من الشركات التي توفر تغطية للسفن وحمولاتها، والمسؤولية عن الانسكابات المحتملة وإعادة التأمين، وهو شكل من أشكال التأمين الثانوي المستخدم لتحمل مخاطر الخسائر.

كانت وزيرة الخزانة الأمريكية، قد أكدت في وقت سابق أن قرار وضع حد أقصى لسعر شحنات النفط الروسي المنقول بحرا يأتي في صالح الصين والهند والمشترين، مشيرة إلى أن واشنطن لا تعارض شراءها الشحنات بسعر أعلى، وإنما على تلك الدول إدراك عدم تمتعها بالخدمات البحرية والتأمين في هذه الحالة.

وفي بيان منفصل، قالت جانيت يلين إن سقف السعر سيزيد من تقييد إيرادات الحكومة في موسكو. وأضافت أنه "مع انكماش الاقتصاد بالفعل وتزايد ضآلة ميزانيتها، فإن الحد الأقصى للسعر سيقلص على الفور من أهم مصادر إيرادات بوتين"، مضيفة وبدون هذه الآلية، كان يمكن لروسيا أن تصل إلى مشترين جدد بأسعار السوق بسهولة.

من جانبه ذكر فوك فين نجوين الخبير في قضايا الطاقة في معهد جاك ديلور إن روسيا كسبت في أشهر قليلة 67 مليار يورو من مبيعاتها النفطية إلى الاتحاد الأوروبي بعد بداية الحرب في أوكرانيا، بينما تبلغ ميزانيتها العسكرية السنوية نحو 60 مليار يورو.

يقع مقر معظم شركات الشحن وشركات التأمين الرئيسية في مجموعة الدول السبع. وتحظر الخطة على تلك الشركات التعامل مع الخام الروسي ما لم تبع الشحنة بالسعر الذي حدد أو أقل منه، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسوف تحمل هذه الشركات مسؤولية انتهاك العقوبات. 

يمثل سعر البرميل، البالغ 60 دولارا، خيبة أمل لبعض الدول الأوروبية، بما في ذلك الدول الأكثر تشددا المؤيدة لأوكرانيا مثل بولندا، التي أرادت أن يخسر الكرملين عائدات أكبر بكثير من مبيعات النفط. مع تقدير تكاليف إنتاج النفط الروسي بنحو 20 دولارا للبرميل -وتداول سعر النفط الروسي بين 60 دولارا و100 دولار للبرميل في السنوات الثلاث الماضية- لا يزال السعر المتفق عليه يسمح لموسكو بجني أرباح كبيرة. 

انزعج الدبلوماسيون المشاركون في المفاوضات مما اعتبروه عملية تقودها الولايات المتحدة تركت لهم تكاليف تنفيذ معقدة وصعبة دون إحداث تغيير كبير في الإيرادات الروسية.  

وجادل المسؤولون الأمريكيون بأنه سيكون من الأفضل تحديد سعر مرتفع بما يكفي، بحيث تمتثل روسيا له من خلال الاستمرار في شحن الكثير من صادراتها النفطية باستخدام البنية التحتية الأوروبية والأمريكية، مثل السفن والتأمين. 

وقد شكك مسؤولو الصناعة في جدوى الخطة التي تعتمد على كل طرف في سلسلة إمداد النفط الروسي للتأكيد على سعر الشحنات. كما حذرت شركات التأمين والشحن من أن روسيا قد تزيف السجلات، وأن الشركاء التجاريين سيتعاونون لأنهم عازمون على الحفاظ على تدفق النفط. 

وإذا كان الكرملين قد أكد إنه لن يبيع للدول التي تلتزم بآلية التسعير، ما يعني أن تلك التي تعتزم شراء نفطها قد تجد طرقا للالتفاف حولها. قد تكون إحدى الطرق هي المدفوعات الجانبية -على سبيل المثال، دفع مبالغ زائدة لروسيا مقابل القمح أو سلع أخرى لا تخضع للعقوبات- والتي حدثت خلال التسعينيات عندما حاولت الولايات المتحدة فرض خطة مماثلة على العراق. 

يمكن للصين والهند ودول أخرى شراء النفط الروسي بأي سعر إذا شحن أو جرى تأمينه من قبَلِ شركات غير أوروبية، الأمر الذي قال مسؤول كبير في وزارة الخزانة الأمريكية إنه سيكون على الأرجح أكثر تكلفة، لكنه لن يخضع لعقوبات. وذكرت التوجيهات الصادرة عن وزارة الخزانة إن النفط الروسي الذي بيع بموجب آلية التسعير ولكن بعد ذلك "تم تحويله بشكل كبير" أو تكريره خارج روسيا لن يخضع للعقوبات. 

وسوف تمنع الشركات التي ثبت أنها انتهكت السياسة عن عمد من تقديم خدمات للنفط الروسي لمدة 3 أشهر، وهي عقوبة يقول منتقدون إنها متساهلة للغاية لجعل السياسة فعالة.

مصادر في شركات للتأمين البريطانية والألمانية والهولندية حذرت من تواصل محاولات الحصار لمدد أطول تهدد كل تركيبات التأمين الغربية حيث ستنتعش شركات في آسيا والشرق الأوسط لتنهي الاحتكار الغربي.

 

إخفاق تاريخي

 

يوم الأحد 4 ديسمبر 2022 أفادت صحيفة The Hill الأمريكية، أن فرض سقف على أسعار النفط الروسي سيمثل فشلا تاريخيا للولايات المتحدة وأوروبا.

وأوضح الكاتب، بيتر دوران، في مقاله بالصحيفة، أن فرض سقف لسعر النفط الروسي يحمل دلائل على الإخفاق التاريخي الوشيك لواشنطن وأوروبا بأسرها، ففي الوقت الراهن لم يتبق في سوق الطاقة العالمية أي نفط حر، ما يهدد بارتفاع أسعار الطاقة بشكل أكبر مما هو عليه الآن.

وأضاف دوران، أن الولايات المتحدة وحلفاءها، عندما قرروا بحث فرض سقف لسعر النفط الروسي خلال الصيف، اعتبروه حلا أنيقا لتقليص دخل روسيا، لكن الوضع اختلف تماما.

وأشار إلى أن حتى سقف السعر البالغ 60 دولارا للبرميل مفيد لروسيا، كون تكلفة إنتاج النفط الروسي تتراوح ما بين 20 - 40 دولارا.

يوم الجمعة الثاني من ديسمبر 2022 حذرت صحيفة الإيكونوميست من “قفزة” في أسعار النفط وشح في المعروض بسبب تحديد سقف لسعر النفط الروسي.

وأشارت الصحيفة إلى أنه “منذ بداية العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا وضع الغرب هدفا يتمثل في تقليص عائدات موسكو من النفط والغاز دون تقليص الإمدادات العالمية ودون التسبب في ارتفاع الأسعار”.

وأضافت الصحيفة: "في وقت لاحق حظر الاتحاد الأوروبي التأمين على الناقلات المحملة بالنفط الروسي، حيث كان من المفترض أن يؤثر هذا الإجراء بشكل خطير على الصادرات من البلاد، ولكن كان له عيب خطير". "إذا لم يصل النفط الروسي إلى السوق فقد ترتفع أسعار النفط العالمية بشكل حاد، مما يضرب المستهلكين الغربيين".

ثم اقترحت الولايات المتحدة إدخال سقف للسعر وهو الحد الأقصى الذي يمكن للشركات الأوروبية أن تواصل عنده تأمين السفن بالنفط الروسي.

وتابعت “الإيكونوميست”: “وفي الوقت نفسه يجب أن يكون حد السعر أقل من السوق، ولكن أعلى من سعر التكلفة، وبهذه الطريقة وفقا للخطة، سيكون من الممكن تقليل دخل موسكو وتجنب حدوث عجز”.

ومع ذلك كل شيء ليس على نحو سلس، وبالتالي قد يرفض الكرملين استخدام ناقلات من دول تلتزم بسقف السعر، الأمر الذي سيقلل من صادرات النفط بسبب تقليص عدد وسائل النقل المحتملة.

ولذلك يسعى الغرب إلى عدم تحديد الحد الأقصى للسعر أقل بكثير من سعر السوق مما يجعل الخطة بأكملها غير فعالة، كما تلاحظ المصادر المختصة حسب الصحيفة مشكلة أخرى هي مدى قدرة الغرب على التأثير على سوق النفط، بالنسبة لبعض أنواع خدمات التأمين، تتمتع هذه البلدان بموقف احتكاري عمليا.

في الوقت نفسه لا تريد الدول الآسيوية ولا سيما الصين والهند وإندونيسيا الانضمام إلى العقوبات المفروضة على روسيا ويمكنها إيجاد بديل لشركات التأمين الغربية.

وحذرت “الإيكونوميست” من أن “التوافق الحقيقي للقوى في أسواق النفط سيتضح بعد 5 ديسمبر 2022، حيث أنه من الممكن حدوث قفزة حادة في الأسعار”.

ومع ذلك توقع البحث أن تصبح سوق النفط العالمية أكثر مرونة وتكيفا وأن دور الغرب في سوق الطاقة سينخفض، بالإضافة إلى ذلك فإن العقوبات والحظر لهما قيود أيضا بما في ذلك مدتهما.

 

التحول نحو آسيا

 

ذكر تقرير موقع "أويل برايس" الدولي يوم الأحد 4 ديسمبر 2022 أنه في كل مرة يجتمع فيها تحالف "أوبك +" لإعادة النظر في إستراتيجيته الإنتاجية يراقب مجتمع النفط بعناية كل الإشارات والقرارات الصادرة عن الاجتماع.

وسلط التقرير الضوء على موافقة الاتحاد الأوروبي على مستوى سقف أسعار النفط الخام الروسي تزامن مع ترقب "أوبك +" الأنباء المنتشرة حول تخفيف الصين لقيود الإغلاق وبالتالي ارتفاع الطلب.

وذكر أن منتجي النفط الروسي رفعوا الإنتاج بالفعل في الأسابيع الأخيرة قبل بدء الحظر، وأوضح أنه قبل فرض عقوبات الاتحاد الأوروبي أنتجت روسيا 10.9 مليون برميل يوميا في نوفمبر وزادت الصادرات إلى الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان، وعلى الرغم من بيانات الاستهلاك الضعيفة في الصين تظهر البيانات الدولية أن آسيا استوردت رقما قياسيا قدره 29.1 مليون برميل يوميا من النفط الخام في نوفمبر مقارنة بـ25.6 مليون برميل يوميا في أكتوبر و26.6 مليون برميل يوميا في سبتمبر.

ونوه التقرير إلى أن المشترين الآسيويين لن ينضموا إلى اقتراح الحد الأقصى لأسعار النفط إلا أن حالة عدم اليقين بشأن الإمدادات المستقبلية من الخام الروسي والقدرة على تمويل وتأمين شحنات الخام الروسية.

أن حالة عدم اليقين هي السمة الرئيسة في أسواق الطاقة في ديسمبر 2022 مع بدء حظر استيراد النفط الخام الروسي المحمول بحرا وخفض إنتاج "أوبك +" المحتمل وتحديد أسعار بيع النفط والغاز الروسيين ما جعل حالة العرض في السوق أكثر تعقيدا. 

ولفت التقرير إلى صعوبة بشكل متزايد في التنبؤ بمسار أسعار النفط في أوائل 2023 بدقة، إذ إنه من شبه المؤكد أن أسواق النفط الخام ستظل مزودة بإحكام في المستقبل المنظور مع ترقب السوق احتمالية ما إذا كانت إمدادات الخام الروسية ستنخفض فعليا بشكل كبير في ديسمبر والأشهر الأولى من العام الجديد وما إذا كانت عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومجموعة السبع ناجحة.

بدوره، أكد تقرير "ريج زون" الدولي أن أسعار الخام سجلت أكبر مكاسب أسبوعية له في شهر بعد أسبوع متقلب تميزت فيه الصين بتخفيف قيود كورونا وزيادة المراهنات على سياسة إنتاج "أوبك +"

وأشار التقرير إلى أن التقلبات السعرية قفزت إلى 53 في المائة في وقت سابق هذا الأسبوع وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر الماضي مع تداول النفط الخام في نطاق تذبذبات عشرة دولارات، حيث أدت التكهنات بتخفيضات إنتاج "أوبك +" إلى تأرجح النفط الخام.

ولفت التقرير إلى حصول الأسعار على دفعة حيث بدأت الصين - التي تواجه اضطرابات غير عادية - في تخفيف سياسات "صفر كوفيد" ما ساعد على نمو توقعات ارتفاع استهلاك الطاقة بينما يقول المحللون إن أزمة السيولة ستستمر مع استمرار إغلاق المراكز قبل نهاية العام.

 

أسطول الظل

 

جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 4 ديسمبر 2022: مع تحديد دول عدة سقفا لأسعار النفط الروسي، قد تعتمد روسيا على أسطول من ناقلات النفط يعرف باسم "أسطول الظل" للتحايل على العقوبات والقرارات الغربية.

وأفاد تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال أن الدول الغربية ستكون قادرة على تتبع النفط الروسي الذي تنقله ناقلات تابعة للشركات الدولية، ولكن هناك ناقلات تستخدم بشكل غير رسمي في نقل النفط، سميت بـ"أسطول الظل" وتنشط في التجارة مع إيران وفنزويلا، والآن بشكل متزايد مع روسيا.

ويشير التقرير إلى أن شركات شحن اشترت عشرات من ناقلات النفط المستعملة هذا العام، تنشط في البحار المتجمدة بالقطب الشمالي وحول موانئ البلطيق الروسية.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة "فرونت لاين" للناقلات، لارس بارستاد للصحيفة أننا نشهد "نوعا جديدا من سوق الشحن، بالتوازي مع السوق العادي الذي يعمل فيه معظمنا".

جون سميث، من شركة "ماريسون وفوريستير" قال إن " أسطول ناقلات الظل نما قبل عقد من الزمن، لشحن النفط الإيراني بعد أن شددت الولايات المتحدة العقوبات على طهران في 2012"، كما زاد الطلب على هذه الناقلات بعد 2018 عندما أعادت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب فرض عقوبات على إيران.

وأكد التقرير أن النفط الروسي لا يزال "شريان الحياة الاقتصادي لروسيا، ومفتاح تمويل الحرب في أوكرانيا، خاصة بعدما قلصت موسكو مبيعات الغاز الطبيعي إلى أوروبا"، وهو ما سيدفع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين إلى التوجه إلى "أسطول ناقلات الظل" لضمان استمرار تدفق العائدات.

ويتوقع التقرير أنه في حال انخفضت مبيعات النفط الروسي بسبب عدم وجود ناقلات كافية لنقله للمستوردين، قد "تقفز أسعار النفط ومشتقاته على مستوى العالم".

ورغم تنامي سوق "ناقلات الظل"، لا يوجد تعريف يحدد ما إذا كانت الناقلة من ضمن هذا الأسطول أم لا، فيما يشير تقرير لوزارة الخزانة الأمريكية صدر في 2020 إلى أن بعض هذه الناقلات تقوم بتغيير الأعلام التي تحملها، ناهيك عن إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال، أو حتى إرسال إشارات خادعة، إضافة للقيام بتبادل النفط في البحر.

وأضاف التقرير أن بعض هذه الناقلات تقوم بتغيير اسم السفينة وتعمد إلى تبديل المستندات لإخفاء ملكية الناقلة والتي تبحر عادة من دون أي تأمين حقيقي عليها.

محلل النفط في شركة فورتكسا، أرمين عزيزيان قال لوول ستريت جورنال "إن حوالي 70 نقالة نفطية كانت تحمل شحنات من إيران وفنزويلا تقوم بشحن النفط الروسي منذ بداية حرب أوكرانيا".

ويناهز سعر برميل الخام الروسي راهنا 65 دولارا.

 

321 مليار دولار

 

يتوقع الخبراء في خدمة "بلومبيرغ إيكونوميكس" للتقارير الاقتصادية وصول إيرادات روسيا من صادرات النفط الخام والغاز الطبيعي خلال عام 2022 إلى نحو 321 مليار دولار، ما يزيد بأكثر من الثلث عن عام 2021، بفضل الارتفاع الكبير في أسعار الغاز الطبيعي والنفط.

كما تتجه روسيا نحو تحقيق فائض قياسي في ميزان الحساب الجاري خلال عام 2022، حيث يقدره معهد التمويل الدولي بنحو 240 مليار دولار.

ويقول خبراء معهد التمويل الدولي بقيادة روبن بروكس في تقرير صادر عن المعهد: "إن المحرك الأكبر الوحيد لفائض الحساب الجاري لروسيا ما زال يبدو قويا، مع استمرار العقوبات الحالية، سيستمر تدفق العملة الصعبة بغزارة إلى روسيا بفضل صادراتها من النفط والغاز الطبيعي".

إلى ذلك، قال ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي: "إن الانخفاض الملحوظ في إنتاج الخام في روسيا يرجع إلى تغيرات في الخدمات اللوجستية والتمويل".

وأضاف أن "قرار أوبك التخلي عن وكالة الطاقة الدولية ومقرها باريس كمصدر للبيانات يرجع إلى نهج الوكالة المتحيز"، حسبما ذكرت وكالة الإعلام الروسية.

ووفقا لـ"رويترز" تراجعت مخزونات النفط العالمية في حين من المتوقع أن يشهد الطلب العالمي على الخام زيادة قدرها أربعة ملايين برميل يوميا.

وحذر نوفاك من أن أسواق النفط والغاز الطبيعي العالمية قد تنهار في حالة فرض عقوبات جديدة على الطاقة الروسية.

 

الصين والهند

 

تحذر مصادر رصد في برلين وباريس من أن استمرار رفض الصين والهند والمكسيك وتركيا وهي من كبار مستهلكي مصادر الطاقة الروسية، ودول أخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية، الانضمام إلى حملة العقوبات على روسيا سيحكم على المخطط الغربي بفشل تاريخي. وتضيف تلك المصادر أن موقف هذه الدول واستمرارها على التمسك به ليس بالضرورة لحبها للكرملين ولكن لأنها تدرك أن فوز التكتل الغربي على روسيا سيرسخ هيمنة واشنطن وهي ستتضرر من ذلك بأقسى قدر ممكن.

بكين أكدت مرارا أنه لن تشارك في أي عقوبات غربية ضد روسيا وصرح وزير خارجيتها وانغ يي من أن بلاده ترفض أن تتأثر بالعقوبات الغربية التي تفرض على روسيا و"إن الصين ليست طرفا في الأزمة، ولا تزال ترغب بألّا تتأثر بالعقوبات". وتابع "لطالما اعترضت الصين على استخدام العقوبات لحل المشاكل، ناهيك عن العقوبات أحادية الجانب التي لا أساس لها في القانون الدولي، والتي ستضر (...) بحياة الناس في جميع البلدان".

من جانبه صرح غو شوتشينغ، رئيس هيئة تنظيم البنوك والتأمين الصينية، إن بكين تعارض العقوبات الغربية المفروضة على روسيا. وأكد في مؤتمر صحفي أن الصين "لن تنضم إلى مثل هذه العقوبات"، وستحافظ على التبادل الاقتصادي والتجاري والمالي الطبيعي مع جميع الأطراف المعنية.

وأضاف: "نحن لا نوافق على العقوبات المالية، لاسيما تلك التي تم إطلاقها من جانب واحد، لأنها لا تستند إلى أساس قانوني كبير، ولن يكون لها آثار جيدة".

الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، صرح، إن بلاده لن تنضم إلى العقوبات ضد روسيا، مضيفا: "لن نقدم على أي نوع من الانتقام الاقتصادي لأننا نريد علاقات جيدة مع كل الحكومات في العالم".

في نيودلهي أوضحت صحيفة "آسيا تايمز" أن الهند رفضت الانضمام إلى الإجراءات الأمريكية التي تعاقب روسيا، وقررت استخدام عملة الروبل الروسية، لتسوية المدفوعات الناجمة عن المبادلات التجارية بينها وبين روسيا. واعتبرت الصحيفة أن واشنطن تحث بنفسها الدول الأخرى على الدخول في تعاون مع روسيا، بعدما تخلت عن أفغانستان، وأظهرت عدم قدرتها على حل الأزمة الأوكرانية.

وأكدت الصحيفة إن عدم قدرة البيت الأبيض على التعامل مع الأزمة الأوكرانية، أقنعت نيودلهي بأن الصداقة الأمريكية أشبه ما يكون ببرميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة.

صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية ذكرت إن الهند تبحث عن طرق للحفاظ على التجارة مع روسيا من خلال إحياء اتفاق قديم يعود إلى حقبة الحرب الباردة، يسمى تجارة الروبية والروبل. ويسمح الاتفاق للشركات الروسية والهندية القيام بأعمال تجارية دون الاعتماد على الدولار، ما يقلل مخاطر العقوبات الأمريكية.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول هندي قوله "خمسة وثمانون في المئة من نفط الهند يأتي من الواردات، لذلك نبحث دائما عن خيارات جيدة"، مضيفا أنه إذا كان هناك عرض روسي فسنقبل به.

وتتاجر الهند مع إيران، وهي دولة أخرى تخضع لعقوبات أمريكية، باستخدام ترتيب تجاري مماثل بين الريال والروبية، وفق الصحيفة.

 

القدرة على الصمود

 

جاء في تقرير نشره موقع دويتش فيله الألماني شهر سبتمبر 2022: منذ فرض الدول الغربية عقوبات على روسيا، استطاع الاقتصاد الروسي تجنب الانهيار، لكن هناك من الخبراء من يعتقد أن روسيا ستتحمل تداعيات العقوبات لنحو عامين، فيما يتوقع البعض منهم أكثر من ذلك، وفريق ثالث لا يتفق مع هذا الرأي. 

الزائر إلى روسيا يشهد أسواقا ممتلئة بالبضائع من كل أرجاء المعمور وأسعار الأغذية ومواد الاستهلاك الأساسية وحتى الكماليات رخيصة بشكل كبير وأسعار النفط والغاز والكهرباء متدنية.

بداية شهر سبتمبر كشف مكتب الإحصاء الروسي "روستات" أن الناتج المحلي الإجمالي في الأشهر الستة الأولى من عام 2022 انخفض بنسبة لا تتجاوز 0.4 بالمائة.

وأشارت البيانات إلى تزايد استثمارات رأس المال في روسيا مع انتعاش الروبل وتراجع معدلات التضخم التي ارتفعت مع بدء الحرب فيما توقع مسؤول حكومي روسي انخفاض الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بنسبة سوف تصل إلى 3 بالمائة وليس بمعدل الثلث كما كان يتوقع غربيا.

واستمرت عائدات النفط والغاز في تعزيز ودعم الموارد المالية الروسية وأعلنت شركة الطاقة المملوكة للحكومة الروسية "غازبروم" عن جني أرباح قياسية في النصف الأول من عام 2022 بلغت 2.5 تريليون روبل أي ما يعادل 41.36 مليار دولار أو 41.41 مليار يورو، مما عزز قيمة سعر السهم بنسبة تجاوزت 30 بالمائة.

أستاذ الإدارة جيفري سوننفيلد وأحد المشرفين على دراسة "جامعة ييل" ذكر إن الاقتصاد الروسي يمكنه "التعايش مع المصاعب الكبيرة لفترة عامين" طالما ظلت الدول الغربية حازمة في تطبيق العقوبات، فيما يعتقد خبراء اقتصاديون آخرون أن حدوث انهيار اقتصادي للاقتصاد الروسي بشكل كامل سوف يستغرق فترة أطول من عامين.

وفي مقابلة مع DW، قال البروفيسور رولف لانغهامر، الخبير الاقتصادي الألماني و النائب السابق لرئيس معهد الاقتصاد العالمي في كيل، إنه على المدى الطويل فإن روسيا ستكون بمثابة "محطة وقود لتزويد الصين، لكني لا أؤيد الطرح القائل بأن الاقتصاد الروسي سوف ينهار خلال عامين".

يشار إلى أن روسيا أمضت عدة سنوات في تعزيز قدرتها الاقتصادية استعدادا للحرب إذ يعتقد خبراء التمويل الدوليون أن روسيا باتت على أهبة الاستعداد لأي انفصال اقتصادي عن الغرب.

وفي هذا السياق، قال لانغهامر إن صندوق النقد الدولي قد ذكر عام 2021 "أن روسيا استطاعت جمع وتكديس سيولة منذ بدء الصراع في شرق أوكرانيا عام 2014 وضم شبه جزيرة القرم حيث استعدت لحرب استنزاف".

 

عمر نجيب

[email protected]