البحث الصعب عن نظام عالمي جديد..... تسوية بالمفاوضات أم تمهيد الطريق نحو الحرب العالمية الثالثة ؟

خميس, 2022-11-10 04:18

تتارجح التطورات المستقبلية المحتملة للحرب الدائرة في وسط شرق أوروبا بين سيناريوهات وفرضيات مختلفة ومتباينة، لعل أكثرها خطورة هو التحول إلى حرب عالمية ثالثة.

منذ أن اندلعت الجولة الجديدة من الصراع العسكري في أوكرانيا يوم 24 فبراير 2022، والمعسكران المتصارعان يمارسان مزيجا من اساليب التهديد والتهدئة. البعض يرى في ذلك مؤشرا عل وجود توجهات مختلفة داخل دائرة أصحاب القرار السياسي والعسكري، أي بين المتشددين وهؤلاء الذين يبحثون عن حلول وسط تجنبهم التعرض لخسائر كبيرة.

المشكلة أنه وكما قال محلل سياسي أنه منذ تولّي الرئيس جو بايدن السلطة في الولايات المتحدة في يناير 2021 وهو لا يكاد يترك مناسبة إلا ويذكر فيها النظام العالمي القائم على القواعد، خاصة المناسبات ذات الصلة بالصين وروسيا، أو الدول المصنفة لدى الولايات المتحدة بأنها دول راعية للإرهاب، حيث يتهم الرئيس بايدن وإدارته جميع هؤلاء بأنهم يسعون إلى تقويض النظام القائم على القواعد، وأن على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها العمل معا من أجل حماية هذا النظام، والوقوف بحزم في وجه القوى التي تهدد استقرار المجتمع الدولي وتعمل على تقويض نظامه القائم على القواعد.

لا يوجد في مواثيق الهيئات والمنظمات الدولية التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ومعاهداتها واتفاقياتها ما يعرف بـ"النظام الدولي القائم على القواعد"، ومع ذلك فقد أشارت عبارة وزير الخارجية الأمريكي التي قال فيها إن "النظام الدولي القائم على القواعد هو الذي جلب الاستقرار والتنمية العالميين على مدى 75 عامًا الماضية"، في محاولة لربط مسمى "النظام الدولي القائم على القواعد" بالنظام الذي تأسس بقيادة الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والذي عرف حينها بالنظام الدولي الليبرالي (LIO) الذي تقوم قواعده على أساس الليبرالية السياسية والاقتصادية والأممية الليبرالية، أو بكلمات أخرىالنظام القائم على هيمنة الولايات المتحدة، وإطلاق يدها تحتغطاء أكاذيب واتهامات باطلة للتدخل في الدول الأضعف وصولاإلى الغزو المسلح والاحتلال.

تلاشى قوة الردع

 

خلال الأيام الأولى من شهر نوفمبر 2022 قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إن المواجهة الروسية على أرض أوكرانيا كشف عن تلاشي قوة الردع العسكري الأمريكي، التي أصبحت حقيقة لا يعترف بها علنًا سوى قلة قليلة من قادة الولايات المتحدة.

ونقلت الصحيفة في افتتاحيتها عن الأدميرال تشارلز ريتشارد، قائد القيادة الإستراتيجية الأمريكية، قوله في مؤتمر خلال الأسبوع الأول من نوفمبر إن "أزمة أوكرانيا التي نمر بها الآن مجرد إحماء، والحرب الكبرى قادمة، ولن يمر وقت طويل قبل أن نختبر بطرق لم نعرفها منذ زمن بعيد".

وذكر المسؤول العسكري الأمريكي "بينما أقوم بتقييم مستوى الردع لدينا ضد الصين، فإن السفينة تغرق ببطء"، مشيرا إلى أن الصين تعزز قدراتها العسكرية بوتيرة أسرع مما عليه الحال في الولايات المتحدة. ومع استمرار هذا الفارق، يلفت الأدميرال ريتشارد إلى أن أمريكا لن يكون لديها ما يكفي من القوة لمواجهة الصين في المدى القريب.

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن اختبار الصين صاروخا يفوق سرعة الصوت عام 2021 تمكن من الدوران حول العالم قبل أن يعود ليسقط في الصين يعني أن تلك الصواريخ الصينية يمكنها ضرب أي مدينة أو منشأة في الولايات المتحدة، وقد يحدث ذلك من دون حتى إمكانية رصدها.

واختتمت بأن حقيقة كون الاختبار فاجأ واشنطن وتجاوز قدراتها العسكرية أمر سيئ، مشيرة إلى أن خسارتها في سباق الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت أمام الصين وروسيا أمر يستحق جلسات استماع في الكونغرس.

 

مؤشر القوة العسكرية

 

قبل ذلك بشهر تقريبا ومع نهاية الثلث الثاني من شهر أكتوبر 2022 جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية: يحب الأمريكيون الاعتقاد بأن جيشهم لا يقهر إذا لم يعترض السياسيون طريقهم. والحقيقة هي أن هذه القوة الصارمة للولايات المتحدة ليست كما كانت في السابق، وفقا لتقرير مؤشر القوة العسكرية الأمريكية لـ"هيريتيد فاونديشن" (Heritage Foundation) لعام 2023. 

في هذا السياق، لفتت صحيفة "وول ستريت" (Wall Street Journal) إلى أن التقرير يصف اتجاها مثيرا للقلق، إذ يصنف الجيش الأمريكي بأنه "ضعيف" و"في خطر متزايد من العجز عن تلبية مطالب الدفاع عن المصالح الوطنية الحيوية لأمريكا". وتصنيف الجيش اليوم بأنه "ضعيف" يعني أن قوته تراجعت عما كانت عليه قبل عام إذ كان "هامشيا"، وهذه هي المرة الأولى التي يعطى فيها الجيش الأمريكي مثل هذا التصنيف على طول تاريخ هذا المؤشر الممتد لتسع سنوات.

ويقيس المؤشر قدرة الجيش على الانتصار في صراعين إقليميين رئيسيين في وقت واحد، على سبيل المثال صراع في الشرق الأوسط وحرب في شبه الجزيرة الكورية.

ويذكر التقرير أن الجيش يخاطر بعجزه عن التعامل حتى مع "صراع إقليمي كبير واحد"، لأنه يحاول أيضا ردع المارقين في أماكن أخرى، كما أن ميزانيات وزارة الدفاع "البنتاغون" لا تواكب التضخم، وهذا الانخفاض حاد بشكل خاص في سلاحي البحرية والجوية.

وما بين عامي 2005 و2020 نما الأسطول الأمريكي إلى 296 سفينة حربية بعد أن كان 291، بينما نما الأسطول الصيني في الفترة نفسها إلى 360 من 216، حسب هذا التقرير الذي أضاف أن الحروب لا تُكسب بالأرقام وحدها، لكن الصين تضيق أيضا على الميزة التكنولوجية للولايات المتحدة في كل مجال من مقاليع حاملات الطائرات إلى الصواريخ بعيدة المدى، حسب قوله.

ونبهت هيريتيج إلى أن الحالة أسوا في سلاح الجو، الذي جاء تصنيفه "ضعيف جدا"، والقصة ليست أفضل بكثير للجيش، الذي فقد 59 مليار دولار من القدرة الشرائية منذ عام 2018 بسبب الميزانيات الثابتة والتضخم. ومع أن مشاة البحرية سجلوا تصنيفا أفضل في المؤشر المذكور باعتبارهم الفرع الوحيد الذي يصيغ وينفذ خطة للتغيير، لكن قوة المشاة انكمشت إلى 21 كتيبة بعد أن كانت 27 حتى 2011.

وختم التقرير بأنه سيتعين على الولايات المتحدة إنفاق المزيد على الدفاع إذا أرادت حماية مصالحها والوطن. فهي تنفق الآن حوالي 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ5 في المئة إلى 6 في المئة في الثمانينيات. وانتهت الصحيفة إلى أن تقرير هيريتيج تحذير من أنه لا يمكنك ردع الحرب، علاوة على الانتصار فيها، بثمن بخس.

 

المنافسة قائمة لتحديد نظام جديد

 

بتاريخ 27 أكتوبر 2022 صرح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إن حقبة ما بعد الحرب الباردة انتهت وأن المنافسة قائمة لتحديد نظام عالمي جديد.

وأضاف خلال خطابه في مؤتمر بواشنطن: "الآن هي اللحظة التي تنتهي فيها حقبة ما بعد الحرب الباردة، وهناك منافسة لتحديد ما سيأتي بعد ذلك".

ووفقا له، تمتلك الولايات المتحدة الأدوات اللازمة لبذل قصارى جهدها للعب دور مركزي في هذا.

وأشار بلينكن إلى العمل المشترك للولايات المتحدة مع الدول الأخرى لدعم أوكرانيا من أجل تحقيق "هزيمة استراتيجية" لروسيا، وكذلك التعاون متعدد الأطراف للتنافس مع الصين.

وتابع قائلا:"إذا لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية منخرطة في العمل العظيم لتنظيم السلام، فإما أن يقوم به شخص آخر، وربما بطريقة تؤثر على مصالحنا وقيمنا، أو لن يفعل أحد أي شيء ومن ثم يتشكل فراغ يمتلئ بالأمور السيئة".

في الوقت الذي عكس فيه وزير الخارجية الأمريكي إصرار معسكر من يوصفون بالمحافظين الجدد على عدم القبول بنظام عالمي متعدد الأقطاب، كتبت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية أن الولايات المتحدة قررت تسريع نشر القنابل التكتيكية النووية "B61-12" المطورة في أوروبا، وسيتم تسليمها إلى قواعد الناتو في أوروبا في وقت مبكر من ديسمبر.

وبحسب الصحيفة، صرح مسؤولون أمريكيون في اجتماع مغلق للناتو في بروكسل بأن هذه القنابل ستصل في وقت أبكر مما كان مخططا له. وكان من المفترض أن يتم نشرها في أوروبا، وفقًا للخطة الأصلية، في ربيع عام 2023.

وأشار موقع متخصص في الشؤون العسكرية أن الدفعة الأولى من هذه القنابل التي تنتمي إلى الأسلحة النووية التكتيكية، ستصل إلى قواعد التخزين في أوروبا في ديسمبر، وليس في ربيع العام المقبل، كما كان مخططا لها في السابق.

في نطاق حملة التصعيد كذلك وخلال شهر أكتوبر 2022 صرح قائد حاملة الطائرات الأمريكية CVN-77، الأدميرال دينيس فيليس، بأن طاقمه مستعد للاشتباك مع الجيش الروسي إن لزم الأمر، وذلك تزامنا مع مناورات تجريها قوات الردع النووي الروسية.

ثم عاد الأدميرال وتراجع عن تصريحاته مدعيا أنها لا تحمل في طياتها تهديدا لموسكو، وأن مهمة CVN-77 دفاعية وتهدف لردع التهديدات ومنع التصعيد في المنطقة.

ووفقا لشبكة "سكاي نيوز"، فإن CVN-77 تحمل أكثر من 70 طائرة ومروحية، وهي حاليا في البحار الأوروبية.

وتطرقت الشبكة إلى تصريحات إحدى ضباط الطيران برتبة ملازم أول، لطائرات F18، بأنها وزملاءها يتوقعون في أي لحظة، أن تأتيهم التعليمات بمواجهة الجيش الروسي، في حال تصاعد الأوضاع.

 

لأول مرة منذ 80 سنة

 

بتاريخ 23 أكتوبر 2022 أفادت وسائل إعلام أمريكية بأن واشنطن نشرت الفرقة 101 المحمولة جوا في أوروبا للمشاركة في التدريبات العسكرية، وذلك بعد أن أعلن قائد الفرقة المذكورة استعدادها لدخول أوكرانيا.

وأقدمت واشنطن على هذه الخطوة بالرغم من تأكيدات البيت الأبيض أن القوات الأمريكية لن تشارك في الحرب.

وذكرت شبكة "cbs news" الأمريكية أن الفرقة 101 المحمولة جوا التابعة للجيش الأمريكي وصلت إلى أوروبا لأول مرة منذ 80 عاما، وسط تصاعد التوتر بين روسيا والناتو. 

وتم تدريب "النسور الصاخبة" على الانتشار في أي ساحة معركة في العالم في غضون ساعات، وهي جاهزة للقتال.

وقالت "سي بي إس نيوز" إن فريقا صحفيا من شبكتها رافق نائب قائد الفرقة جون لوباس، وقائد فريق اللواء القتالي الثاني إدوين ماثيديس على متن مروحية لمدة ساعة إلى أقصى حدود الناتو على بعد ثلاثة أميال فقط من حدود رومانيا مع أوكرانيا.

وقال قائد الفرقة لشبكة CBS News إنهم مستعدون للقتال، مشيرا إلى أنه إذا كان هناك تصعيد عسكري أو هجوم على الناتو، فهم مستعدون للقتال، كما أنهم على استعداد تام لعبور الحدود ودخول أراضي أوكرانيا.

وأضاف: "نحن مستعدون للدفاع عن كل شبر من أراضي الناتو.. نحن نأتي بقدرة فريدة من قدرتنا على الهجوم الجوي".

من جهته، صرح العقيد إدوين ماثيديس قائد فريق اللواء القتالي الثاني بأنه وقواته كانوا أقرب قوات أمريكية للقتال في أوكرانيا، وكانوا "يراقبون عن كثب" القوات الروسية ويضعون أهدافا للتدرب.

وحسب القناة، فإن الفرقة يبلغ قوامها 4700 ألف جندي، وتمركزت في رومانيا.

في مواجهة هذا التصعيد قال ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي يوم الثلاثاء الأول من نوفمبر 2022 إن الدول الغربية تحاول استفزاز روسيا لحرب عالمية باستخدام الأسلحة النووية.

وأضاف ميدفيديف -في تصريحات نقلتها وكالات أنباء روسية- أن الانتصار الكامل والنهائي لروسيا في حرب أوكرانيا وحده الضمان لعدم نشوب صراع عالمي.

 

التكامل بديلا للهيمنة

 

نشرت صحيفة "فزغلياد" الروسية يوم 2 نوفمبر 2022 تقريرا يقول إن الولايات المتحدة قادت العالم إلى أزمة عالمية، بفرضها نموذجا غربيا على العالم بأسره يعتمد العولمة الليبرالية التي أدت إلى احتكار المال والتكنولوجيا، وتعزيز الهيمنة غير المشروطة للغرب على الاقتصاد والسياسة على مستوى العالم.

ويوضح التقرير أن نموذج العولمة الغربية قد يطلق العنان لا لنشوب حرب عالمية فقط، بل لحرب نووية قد تأتي على الأخضر واليابس وتدمر الحضارات الإنسانية في حد ذاتها.

ويقول التقرير إن العالم ينتظر تغييرات جذرية في السنوات المقبلة، مشيرا إلى أن الخبراء من جميع دول العالم، من روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول "الجنوب العالمي"، يرون أن السنوات القادمة كفيلة بتحديد كيفية تطور الحضارة.

ويضيف أن العقد القادم سيحدد إذا كانت الحضارات الإنسانية قادرة على التعايش جنبا إلى جنب وفقا لقواعد موحدة ومقبولة عالميا في إطار عملية أطلق عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في "منتدى فالداي" اسم "التكامل".

وينسب التقرير إلى بوتين قوله "في حين تعد العولمة الليبرالية بمنزلة تجريد مختلف الدول في العالم من خصوصيتها وفرض النموذج الغربي على العالم بأسره، فإن التكامل يتمثل في أن تخدم إمكانات حضارة ما مصالح جميع الحضارات الأخرى من أجل تحقيق مكاسب مشتركة. وإذا كانت العولمة أمرا مفروضا ولا يمكن الهرب منه، فإن التكامل هو تطوير إستراتيجيات مشتركة تعود بالنفع على الجميع".

ويرى التقرير أن الولايات المتحدة نفسها تخلّت عن نظام العولمة الليبرالي بعد انتشار سياسة الحمائية جراء الفشل في اجتياز تداعيات بعض الأزمات مثل فيروس "كوفيد-19". كذلك أدت سياسة أمريكا "الأنانية" التي تقوم على سرقة موارد الدول الأخرى، باستخدام سيطرتها على المؤسسات العالمية من أجل الضغط السياسي على هذه البلدان، إلى تزايد الصراع بين مراكز القوة الإقليمية.

وأفاد التقرير إن النموذج البديل القائم على "التكامل" لن يخلق صراعات، مستشهدا بـ"منظمة شنغهاي للتعاون"، على عكس النموذج الغربي المتمثل في اتفاقية "أوكوس" المبرمة بين أستراليا وبريطانيا وأمريكا التي تهدف بشكل أساسي إلى الاحتواء العسكري والسياسي للصين.

ويعتقد التقرير أن نمو المنافسين لأمريكا من العوامل التي تمهد للتغيرات، فقد دفعت أزمة العولمة واعتماد الولايات المتحدة سياسة عدوانية العديد من مراكز القوة الإقليمية إلى لعب لعبتها الخاصة، متحدية بها أمريكا والقواعد غير المعلنة للعبة التي وضعها الأمريكيون. ولا يتعلق الأمر هنا بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ومطالبة الصين بتايوان وهيمنتها الاقتصادية في شرق آسيا، ورغبة إيران في استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة، بل بحلفاء أمريكا الذين ينساقون في الوقت الحالي وراء مسار تنمية خاص، مثل تركيا والسعودية.

ولفت التقرير إلى أن اشتداد الأزمة التي يواجهها العالم حاليا ناتج من عدم التزام القوى المهيمنة بالخطوط الحمراء التي جنبت العالم في السابق حربا عالمية نووية، واستشهد بما زعم من أن التحقيقات في تفجيرات "نورد ستريم" قد كشفت عن أن أمريكا وبريطانيا هما المسؤولتان عن هذه التفجيرات، وكذلك الهجوم على جسر القرم، والزيارة الاستفزازية لرئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان.

وفي الختام، ينوه التقرير إلى أن العقد القادم سيكون حاسما وسيؤدي إما إلى إيجاد نموذج يكفل التعايش والتكامل أو إلى خوض حرب عالمية رابعة "باستخدام الحجارة والعصي".

 

الغرب تحول إلى أقلية

 

في نطاق الاستخدام المزدوج للهجة التهديد والمصالحة، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نهاية شهر أكتوبر 2022 أن الغرب الذي فقد تفوقه يتحول إلى أقلية، ولكن يجب ضمان حقوقه.

وذكر بوتين: "إن احترام خصوصيات الشعوب والحضارات هو في مصلحة الجميع. وفي الواقع، هذا أيضا في مصلحة ما يسمى بالغرب الذي يفقد تفوقه، ويتحول إلى أقلية على الساحة العالمية، وبالطبع، من حق هذه الأقلية الغربية الحفاظ على هويتها الثقافية الخاصة، ويجب ضمانها. ويجب التعامل مع هذا الأمر باحترام، لكنني أؤكد أنها على قدم المساواة مع حقوق الآخرين".

وأشار إلى أن للغرب الحق في أي "قيم" تبدو غريبة على الآخرين، لكن لا ينبغي أن يفرضها على أحد.

وأضاف بوتين أنه إذا اعتقدت النخب الغربية أنه يمكنها أن تغرس في أذهان شعوبها ومجتمعاتها اتجاهات جديدة مثل العشرات من الأجناس وقضية المثليين، فليفعلوا ما يحلوا لهم. ولكن ليس لديهم الحق في مطالبة الآخرين باتباع نفس الاتجاه.

وأكد الرئيس فلاديمير بوتين، أن ذروة الصعوبات والتحديات التي واجهها الاقتصاد الروسي بسبب العقوبات المفروضة قد ولت. وأوضح أن العقوبات كانت تهدف إلى تقويض الاقتصاد الروسي، الذي أثبت أنه أكثر مرونة وتكيفا.

وأضاف أن هناك الكثير مما يتعين القيام به لإنشاء سلاسل توريد جديدة للواردات والصادرات بأقل التكاليف، ولكن الذروة بشكل عام قد ولت، بفضل الإجراءات الحكيمة التي اتخذتها الدولة لتكييف الاقتصاد الروسي وستستمر في التطور على منصة مستقرة وذات سيادة.

وأكد بوتين، أن الولايات المتحدة تستخدم الدولار كسلاح لتحقيق مصالحها، وخلق المشاكل حول العالم، لذا على الدول الأخرى أن تجري معاملاتها بعملاتها الوطنية.

وأوضح أن الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية أنشأت نظام "بريتون وودز"، وعززته مرارا وتكرارا، وأسست مجموعة من الهيئات والمؤسسات والمنظمات الدولية التي تخضع لسيطرتها في مجالات التمويل والتجارة الدولية، وأصبح فشلها الآن على مرأى من الجميع.

وتابع: "لقد قلت إن استخدام الولايات المتحدة للدولار كسلاح لتحقيق أهدافها ومصالحها السياسية خطأ كبير، وأنه سيؤدي عاجلا أم آجلا إلى تقويض الدولار والعملات الأخرى، لذلك على الدول أن تجري معاملاتها بعملاتها الوطنية".

ووأضاف بوتين إن هذا يقوض الثقة في الدولار والعملات الاحتياطية الأخرى "، مضيفا أن الدول الأخرى بحاجة إلى تطوير الحسابات بالعملات الوطنية

كما أكد بوتين أن روسيا والصين تتعاونان في جميع المجالات بما في ذلك في المجالات العسكرية والعسكرية الفنية، وهذا التعاون ذو طبيعة سرية للغاية.

وأشار بوتين إلى أن العلاقات الروسية الصينية وصلت على مدى العقود الماضية إلى مستوى غير مسبوق من الانفتاح والثقة المتبادلة والفعالية.

وأضاف: "نحن نعمل في جميع المجالات. وفي المجال العسكري، نجري باستمرار تدريبات مشتركة. في المجال العسكري التقني، ويحدث هذا بسرية كما لم يحدث من قبل في تاريخ بلادنا".

يذكر أن الرئيس الروسي أكد أن روسيا ليست بحاجة إلى توجيه ضربة نووية لأوكرانيا ولا جدوى من ذلك سواء على الصعيد العسكري أو السياسي.

وأشار بوتين الى أن روسيا لم تقل أي شيء بشكل استباقي بشأن استخدام الأسلحة النووية. وقال:"لم نقل أي شيء من تلقاء أنفسنا بشأن الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية من قبل روسيا، لكننا ألمحنا فقط إلى التصريحات التي أدلى بها قادة الدول الغربية".

 

حرب ستنتهي بالمفاوضات

 

إذا كان المعسكر الموصوف بالمتشدد في الغرب يلوح بالتصعيد العسكري وصولا إلى عتبة الحرب النووية، يدافع من يمكن وصفهم بأصحاب الحل الوسط عن التسوية السياسية التي تحفظ ماء وجه المتصارعين. 

بداية شهر نوفمبر 2022 قالت باحثة وأكاديمية أمريكية إن اهتمام الغرب بالحرب الروسية في أوكرانيا بدأ بالانحسار منذ أواخر أغسطس الماضي، وإن طرفي الصراع وصلا إلى طريق طويل مسدود، مما أعفى القادة الغربيين من تبني خيارات صعبة أو التفكير الجاد بشأن مستقبل الأزمة.

وأضافت إيما آشفورد الباحثة في مركز ستيمسون والأستاذة المساعدة في جامعة جورج تاون، أن التطورات التي حدثت منذ مطلع سبتمبر الماضي -وتمثلت في المكاسب الأوكرانية المفاجئة على الأرض، وما تلاها من تعبئة عسكرية روسية وهجمات صاروخية على مناطق حيوية، وتهديدات نووية- قضت على ذلك الوهم، ودفعت بالحرب إلى مرحلة جديدة أكثر خطورة.

ولفتت إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ظلت منذ بداية الحرب تحافظ بشكل فعال على نهج سياسي واقعي متوازن، اتسم بتسليح أوكرانيا وتمويلها مع الاستمرار في التأكيد على أن الولايات المتحدة لن تنخرط بشكل مباشر في الصراع.

لكن الإدارة تجنبت تماما الحديث عن أحد الجوانب الحاسمة لإستراتيجية الحرب، ألا وهي كيف يمكن إنهاء هذا الصراع؟

وكشفت آشفورد في مقالها المنشور في مجلة "فورين أفيرز" (Foreign Affairs) الأمريكية، أن الخبراء وصناع القرار الذين اقترحوا أن على الولايات المتحدة أن تدعم أيضا الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى التوصل لتسوية عن طريق التفاوض، عوملوا على أنهم "سذج" أو أنهم بلغوا "حد الخيانة".

لكن الكاتبة تستطرد قائلة إن كل الحروب تقريبا تنتهي بالمفاوضات، مضيفة أن تصعيد موسكو للنزاع هذا الخريف يثير شبح توسع نطاق الحرب ليشمل حلف الناتو واستخدام الأسلحة النووية، كما أن التكاليف الاقتصادية العالمية للصراع هائلة بالفعل ومن المؤكد أنها ستزداد مع بداية فصل الشتاء.

وحتى لو بدا التفاوض من أجل إنهاء الحرب مستحيلا، فإن على إدارة بايدن الشروع في طرح الأسئلة الصعبة على الملأ وعلى شركائها، مما يقتضيه مثل هذا النهج من التعامل مع الأزمة، وفق المقال.

وتتابع الباحثة الأمريكية القول إن على واشنطن أن تختار الوقت المناسب للضغط من أجل بدء المفاوضات، واستشراف المرحلة التي ستفوق فيها تكاليف الاستمرار في القتال الفوائد.

وفي إطار سعيها للتوصل إلى تسوية مستدامة، ينبغي على الإدارة الأمريكية كذلك معرفة كيفية استغلال النجاحات الأوكرانية دون تهيئة الأجواء لإطالة أمد الصراع.

وتمضي الكاتبة في مقترحاتها، وتقول إنه للتحضير لأفضل صفقة، على صناع السياسة الأمريكية الحفاظ على جبهة مشتركة بين الغرب وأوكرانيا، ومراعاة السياسات الداخلية الأوكرانية والروسية، وتبني المرونة، ولا سيما في تحديد أي من العقوبات ضد روسيا يمكن رفعها دون تقوية نظام الرئيس فلاديمير بوتين.

وبحسب المقال، فقد تجنبت الإدارة الأميركية الخوض في مآلات النزاع، بذريعة أن الأمر متروك للأوكرانيين لتقرير ما هو الأفضل لمصلحتهم.

لكن الحفاظ على هذا الموقف أصبح أكثر صعوبة الآن، بعد أن ضاعف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من وتيرة الحرب، ووجه تهديدات نووية صارخة للغرب.

لقد اختار بوتين -طبقا لآشفورد- تحمل مخاطر جديدة كبيرة بدلا من التراجع، اعتقادا منه أن هذه الحرب لن تنتهي بمجرد تراجع روسيا. فعلى الرغم من أن هذه المخاطر يمكن التحكم فيها على ما يبدو في الوقت الحالي، فقد يأتي زمان تكون فيه المفاوضات ضرورية لدرء الكارثة.

والسؤال في واقع الأمر ليس ما إذا كانت هناك حاجة للمفاوضات لإنهاء الحرب، ولكن متى وكيف يجب أن تبدأ.

وعلى صانعي السياسة تدبر الأمور، ذلك أنه كلما كان أداء القوات الأوكرانية أفضل في ساحة المعركة، سيتعذر بالتالي مناقشة تسوية الصراع عبر المفاوضات، رغم أن من مصلحة أوكرانيا التفاوض من موقع القوة.

وتختم آشفورد مقالها في مجلة "فورين أفيرز" بالقول إن التسوية قد تبدو غير مستساغة الآن، ومع ذلك فإن المفاوضات الحكيمة والحذرة تصب في مصلحة أوكرانيا الجوهرية، وأمن المنطقة التي من المرجح أن تتم حمايتها على المدى الطويل.

 

الفيتنام وأفغانستان

 

يسجل أن المعسكر الغربي وخاصة في مركزه الأكبر في واشنطن لا يزال يصر على التحدث بأسلوب الطرف المهيمن الواثق من النصر، تماما كما فعل في حرب الفيتنام قبل عقود وانتهى أمره بهزيمة، ونفس الأمر تكرر في أفغانستان واجبر تحالف الناتو وأنصاره على انسحاب مذل وفوضوي في 30 أغسطس 2021. في حرب أوكرانيا يستمر نفس النهج حتى وإن شرع في السير نحو مخرج للتسوية لا تقود إلى هزيمة الخصوم.

ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية يوم السبت 5 نوفمبر 2022 أن إدارة الرئيس جو بايدن تشجع سرا قادة أوكرانيا على التعبير عن انفتاحهم على التفاوض مع روسيا، والتخلي عن رفضهم العلني المشاركة في محادثات سلام إلا بعد إزاحة الرئيس فلاديمير بوتين عن السلطة.

ونقلت الصحيفة عن أشخاص -لم تسمهم- على دراية بالمناقشات قولهم إن طلب المسؤولين الأمريكيين لا يهدف للضغط على أوكرانيا للجلوس إلى طاولة المفاوضات، بل محاولة محسوبة لضمان أن تحافظ كييف على دعم دول أخرى تخشى من تأجيج الحرب لسنوات كثيرة قادمة.

وذكرت إن المناقشات أوضحت مدى صعوبة موقف إدارة بايدن بشأن أوكرانيا، إذ تعهد المسؤولون الأمريكيون علنا بدعم كييف بمبالغ ضخمة من المساعدات "لأطول فترة ممكنة"، فيما يأملون التوصل إلى حل للصراع المستمر منذ 8 أشهر، والذي ألحق خسائر فادحة بالاقتصاد العالمي وأثار مخاوف من اندلاع حرب نووية.

وقالت الصحيفة إن المسؤولين الأمريكيين أيدوا موقف نظرائهم الأوكرانيين بأن بوتين ليس جادا في الوقت الحالي بشأن المفاوضات، لكنهم أقروا بأن رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الدخول في محادثات معه أثار مخاوف في أجزاء من أوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهي المناطق التي ظهر فيها تأثير الحرب على أسعار الغذاء والوقود بشكل كبير.

ولم يرد مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض عندما سئل عما إذا كان التقرير دقيقا، في حين قال المتحدث باسم وزارة الخارجية "قلنا من قبل وسنقولها مرة أخرى: الأفعال أبلغ من الأقوال، إذا كانت روسيا مستعدة للتفاوض فعليها أن توقف قنابلها وصواريخها وتسحب قواتها من أوكرانيا".

وأضاف أن الكرملين يواصل تصعيد هذه الحرب، ولم يظهر حتى الآن استعدادا للانخراط بجدية في المفاوضات حتى قبل أن يبدأ غزوه الشامل لأوكرانيا.

وأشار المتحدث إلى تصريحات زيلينسكي يوم الجمعة 4 نوفمبر، والتي قال فيها "نحن مستعدون للسلام، لسلام عادل، وقد عبرنا عن صيغته مرات كثيرة".

وذكر زيلينسكي في خطابه المسائي إن العالم يعرف موقفنا، فنحن نريد احترام ميثاق الأمم المتحدة واحترام وحدة أراضينا واحترام شعبنا.

 

وصرح مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان -خلال زيارة إلى كييف الجمعة- إن دعم واشنطن لأوكرانيا سيظل "ثابتا وراسخا" بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.

 

هل فقدت واشنطن الأمل ؟

 

قالت الباحثة والمحللة السياسية الروسية إيلينا سوبونينا يوم الأحد 6 نوفمبر 2022 إن أمريكا تحاول جس النبض لإمكانية إيجاد حلول للمواجهة في أوكرانيا، موضحة أنه أمر جديد ولكنه مستمر خلال الفترة السابقة عن طريق وسطاء ودول أخرى. واعتبرت أن أوكرانيا لا تستطيع الانتصار على روسيا، كما أن واشنطن لا تريد مواجهة موسكو لأن ذلك يتعارض مع مصالحها، مشددة على أنه حان الوقت للجوء إلى المفاوضات.

جاءت تصريحات المحللة الروسية على خلفية نقل صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن الولايات المتحدة تحث أوكرانيا سرا في هذه المرحلة على إعلان استعدادها للتفاوض مع روسيا.

من جهته، اعتبر الباحث في مؤسسة "راند" للدراسات وليام كورتني أن الوقت لا يزال غير مناسب للتفاوض بين روسيا وأوكرانيا، حيث تحقق كييف انتصارات مستمرة في ساحات المعارك، وفق رأيه، متوقعا أن تواصل كييف تقدمها، ولذلك اعتبر أنه من السابق لأوانه الحديث عن مفاوضات بينهما، موضحا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن غالبا ما يطلب فقط عدم استبعاد التفاوض مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بشكل مرن ولكنه لا يفرض الأمر على كييف.

ورأى أن أمريكا والدول الأوروبية ستواصل تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا إلى أن تنتصر في ساحة المعارك، مشددا على أن الطلب الأمريكي يتعلق بالتحلي ببعض المرونة إذا قررت روسيا وقف الحرب والانسحاب من أوكرانيا.

 

الخطة التي لم تنجح

 

أشار بول كريغ روبرتس، المسؤول السابق في البيت الأبيض خلال إدارة لبرئيس رونالد ريغان، على موقعه في الإنترنت نهاية شهر أكتوبر 2022، أن موسكو حتى عام 2014 استأجرت قواعد بحرية في شبه جزيرة القرم بعد أن تفتت الاتحاد السوفيتي وبقيت أراضي روسية ضمن حدود أوكرانيا.

ورأى المسؤول الأمريكي السابق أن بوتين تنبأ بالخطر الذي يهدد مصالح بلاده بعد الانقلاب في كييف عام 2014.

وقال روبرتس بهذا الشأن: "كان بوتين يقظًا بما يكفي ليدرك أن الحكومة الدمية الأمريكية الجديدة في أوكرانيا ستلغي عقد الإيجار، وستحرم بذلك روسيا من الوصول إلى البحر الأسود ومن خلاله إلى البحر المتوسط".

ولفت المسؤول السابق في البيت الأبيض إلى أن بوتين فعل الشيء الصحيح بالموافقة على قبول انضمام شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول إلى روسيا بعد الاستفتاءين اللذين أجريا هناك، مشيرا إلى أن "97 في المائة من سكان القرم صوتوا لصالح إعادة التوحيد مع روسيا. وقبل بوتين طلب سكان شبه الجزيرة".

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بقي أسطول البحر الأسود ضمن القوات المسلحة الروسية، على الرغم من ادعاءات سلطات كييف. وتمت تسوية القضية بشكل نهائي في عام 1997 في إطار "الاتفاقية الكبيرة" للصداقة والتعاون، التي وقعها الرئيس بوريس يلتسين ونظيره الأوكراني ليونيد كوتشما.

وتضمنت هذه الاتفاقية، ثلاث وثائق تنظم معايير تقسيم أسطول البحر الأسود، وشروط تمركزه في مناطق شبه جزيرة القرم، والمسائل المالية المتعلقة بالتمركز.

وفي عام 2010، وقع رئيسا روسيا وأوكرانيا اتفاقيات خاركوف لتمديد تأجير قواعد سفن أسطول البحر الأسود الروسي في شبه جزيرة القرم لمدة 25 عاما، اعتبارا من عام 2017.

بعد عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا في عام 2014، أعلن الجانب الروسي إنهاء الاتفاقيات الأربع.

 

الحكمة والعقل

 

جاء في بحث نشر في واشنطن يوم 9 نوفمبر: مهما ارتفع مستوى انعدام الثقة بين الجانبين الأمريكي والروسي، فإنه يمكن موضوعيا الافتراض بأن الحكمة والعقل ما زالا يقفان بوجه انزلاق المواجهة في أوكرانيا إلى حرب بينهما تصل بالعالم إلى الكارثة النووية. أي أن مبدأ "الدمار المتبادل المؤكد"، الذي أبقى على "برودة" الحرب الباردة في العقود ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية وانهيار المنظومة الاشتراكية، لا يزال قائما.

على أنه كلما طال أمد الحرب في أوكرانيا، كلما ارتفعت احتمالات وقوع خطأ ما يؤدي إلى التصادم الخطير.

والمعضلة التي يواجهها العالم اليوم هي أن الموقف الروسي، النابع عند رأس هرم القرار من الحاجة الماسة إلى المحافظة على هيبة الرئاسة والعصي بالتالي عن أي من مظاهر التراجع أو الانكسار، والموقف الأمريكي المقابل، القائم على معادلة توازن بين الدعم المفتوح لأوكرانيا، ماديا وماليا واستخباراتيا، مع الامتناع عن إرسال الجنود، بما يتيح الاستمرارية الطويلة، لا يلتقيان عند أي مخرج ممكن.

أي أنه لا سبيل إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا إلا بتراجع صريح لأحد الطرفين، الروسي أو الأمريكي، بما يشكل إقراراً بالهزيمة له، أو بقرار من القيادة الأوكرانية بأنها ترضخ للمطالب الروسية، وهو ما لن يتحقق طالما أن هذه القيادة تتمكن، نتيجة الدعم الغربي، من الصمود ومن الإنجازات الميدانية الموضعية.

هي بالتالي حرب استنزاف طويلة الأمد تختبر حدود القدرات الروسية، الواسعة دون أن تكون لامتناهية، والموارد الأمريكية، الأوسع والأكبر بأشواط، إنما المعرضة للاعتبارات السجالية السياسية خلافا للقرار الروسي الذي يتفرد به سيد الكرملين. على أن العوارض الجانبية للاستنزاف هذا هو تجويع واسع النطاق على مستوى الكوكب، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية، وصولا ربما إلى انهيار دول ضعيفة، والتسريع بالتأكيد من العوارض السلبية للواقع المناخي بما ينفي التقدم الحاصل في المرحلة الماضية. كل هذا ينذر بكوارث قد يكون من الصعب تبين عواقبها للتو.

 

عمر نجيب

[email protected]