في الشرق الأوسط وحوله، تتطوّر سلسلة من الأحداث المترابطة فيما بينها والمثيرة للقلق: تحركات عسكرية أميركية في سوريا والعراق، عدوان إسرائيلي على اللاذقية، تحضيرات لمواجهة جديدة بين غزة والاحتلال الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، تستمرّ في فيينا محادثات النووي الإيراني في ظلّ تهديدات إسرائيلية وأميركية بضربة عسكرية. ومع ذلك، يصعب على أساس هذه التطورات تحديدُ الصورة العامة للموقف، واستقراء السيناريوهات المحتملة لهذه التطورات.
في 8 كانون الأول/ديسمبر، تحدّثت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية عن الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لـ"إسرائيل" كجزء من جولته في الشرق الأوسط. يُذكر أن آخر زيارة للافروف لـ"تل أبيب" كانت في كانون الثاني/يناير 2020، في قوام وفد روسي بقيادة فلاديمير بوتين في ذكرى "المحرقة" ("هولوكوست").
هذه المرة، لم تعلن موسكو رسمياً زيارة لافروف. لكنّ المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أكدت لمكتب "الميادين" في موسكو هذه الزيارة، إلاّ أنها سرعان ما اتَّصلت وطلبت عدم نشر الخبر. وتزامن ذلك مع ظهور تقارير عن القصف الإسرائيلي بالقرب من ميناء اللاذقية السوري، ليس بعيداً عن قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا.
في كل الأحوال، يصعب أن نفترض أن يكون هذا التزامن صدفة محضة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ظهور لافروف في "إسرائيل" كان سيبدو ملائماً وداعماً لاستئناف المحادثات في فيينا بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة فيما يتعلّق بالبرنامج النووي الإيراني. لكنْ، في الـ 10 من كانون الأول/ديسمبر الحالي، ذكرت مصادر إسرائيلية أن زيارة لافروف أُلغيت، أو بالأحرى أُرجئت إلى أَجَل غير مسمّىً، بسبب الإضراب غير المتوقع والذي أعلنته نقابة العاملين في وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلي، وأيضاً بسبب "الظروف الشخصية" لوزير الخارجية الروسي.
تبدو صدفة "غريبة" أن يُلغي لافروف زيارته بعد تقارير تفيد بأن "إسرائيل" تستعدّ لتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران "من أجل منعها من صنع قنبلة نووية". وفي وقت سابق، تحدَّث وزير أمن الاحتلال الإسرائيلي، بيني غانتس، علناً عن هذا الاحتمال خلال زيارة لواشنطن. مؤخراً، أبلغ غانتس كلّ من نظيره الأميركي لويد أوستن ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن "الجيش الإسرائيلي تلقّى الأوامر بالتحضير لهجوم على إيران".
ويجب التذكير بأن رئيسَي روسيا والولايات المتحدة، فلاديمير بوتين وجو بايدن، بحثا في العمل المشترك بشأن إيران في ضوء المفاوضات في فيينا فيما يتعلّق بخطة العمل الشاملة المشتركة. وفي مؤتمر صحافي في سوتشي، بعد محادثاته مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، أعلن بوتين أنه دعا نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي إلى زيارة روسيا "في أوائل العام المقبل". كما وعد بأن روسيا ستُبلغ إلى طهران تفاصيلَ الحوار مع الجانب الأميركي بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة. وهذا يعني أن حل إشكال البرنامج النووي الإيراني سيتم بطريقة سياسية ودبلوماسية، وليس بالوسائل العسكرية، التي تميل إليها "إسرائيل". وهذا يعني أيضاً أن لافروف لم يرَ قيمة إضافية في زيارته "تل أبيب". ويمكن الافتراض أن إلغاء هذه الزيارة هو نوع من الغضب الروسي على تكرار العدوان الإسرائيلي على سوريا.
سلام العبيدي مدير مكتب الميادين في موسكو