كيف سيُؤثِّر التّقارب التركي الإماراتي “المُفاجِئ” على العُلاقات الاستراتيجيّة بين أنقرة والدوحة؟

سبت, 2021-08-21 02:18

كَثيرةٌ هي مُفاجآت الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان السياسيّة والاقتصاديّة على حدٍّ سواء، لكنّ مُفاجأته الأخيرة، وبالتّحديد يوم الأربعاء الماضي التي تمثّلت في استِقباله الحافِل في قصره في أنقرة للشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مُستشار الأمن القومي الإماراتي، الذي يُوصَف بأنّه الرّجل الثّاني القويّ في إمارة أبو ظبي، برزت جميع المُفاجآت السّابقة، وأثارت العديد من علامات الاستِفهام.

فحتّى بضعة أشهر مضت، كانت الإمارات تحتل المرتبة الأعلى على قائمة الأعداء التركيّة، وهَدَّد الرئيس أردوغان بسحب السفير التركي من أنقرة احتِجاجًا على توقيع الإمارات اتّفاق “سلام أبراهام” وتطبيع العُلاقات مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، ولا يُمكِن للمُراقب المُحايد أن ينسى أنّ الرئيس التركي وقف مع دولة قطر أثناء تفاقم خلافها مع الدّول الأربع المُقاطعة لها (السعوديّة، الإمارات، مِصر، البحرين) قبل خمس سنوات، وكسر الحِصار الذي فرضته هذه الدّول على الدوحة، والأكثر من ذلك أنّه أرسل أكثر من 30 ألف جندي تركي بكامل عتادهم لحِماية الدّولة القطريّة من أيّ هُجوم، ما زالوا موجودين في قاعدة عسكريّة قُرب قاعدة العيديد الأمريكيّة.

مدرسة الرئيس أردوغان تُقَدِّم المصالح الاقتصاديّة على الاعتِبارات والمواقف السياسيّة، ولا نُبالغ إذا قُلنا إنّ من أبرز ركائز هذه المدرسة، استِخدام المواقف والشّعارات السياسيّة للوصول إلى صفقات اقتِصادي في الوقت المُناسب، والتّقارب التركي الإماراتي الأخير هو أحدث التّطبيقات لهذا المنهج.

الرئيس أردوغان أعلن في مُؤتمر صحافي عقده بعد لقائه بالشيخ طحنون بن زايد “أنّ الإمارات ستقوم قريبًا باستِثماراتٍ كبيرة، وتوصّل إلى هذا الاستِنتاج من خِلال بحث موضوع الاستِثمارات مع ضيفه الإماراتي”، وكشف “أنّ لقاءات جرت على مُستوى قادة المُخابرات في البلدين في أبو ظبي خِلال الأشهر القليلة الماضية، وتم التّوصّل إلى نُقطةٍ مُعيّنة”.

والأهم من كُلّ ما تقدّم أن الرئيس أردوغان أكّد أنّه سيتم عقد لقاء قريب بينه وبين الشيخ محمد بن زايد وليّ عهد إمارة أبو ظبي، والحاكِم الفِعلي لها في الفترة المُقبلة، وهذا ما يُفَسِّر وقف حملات الإعلام التّركي كُلِّيًّا على الإمارات، والشيح محمد بن زايد تحديدًا، والعكس صحيح.

تركيا تُواجِه هذه الأيّام أزمة اقتصاديّة بسبب انتِشار وباء الكورونا الذي دمّر صناعة السّياحة (الدّخل 15 مِليارًا سَنويًّا)، والخِلافات مع السعوديّة في الخليج، وبعض الدّول الأوروبيّة مِثل ألمانيا الشّريك الأُوروبي الرّئيسي (40 مِليار حجم التّبادل التّجاري في ذروته)، ولذلك باتت أنقرة تبحث عن استِثمارات، وعُملات أجنبيّة، وسُيّاح خليجيين أثرياء لتَحريك الاقتِصاد، وضخ المِليارات في شرايينه شِبه المُتيبّسة قليلًا، ووقف تدهور قيمة اللّيرة التركيّة (سِعرها حاليًّا 8.3 مُقابل الدّولار).

لا نَعرِف حجم الاستِثمارات التي وعد بها الشيخ طحنون مُضيفه التركي، ولكنّ حماس الرئيس أردوغان، وحفاوته اللّافتة بضيفه الإماراتي كلّها تُوحي بأنّ الإمارات التي تملك صندوقا ماليًّا سياديًّا تزيد أُصوله عن 800  مِليار دولار على الأقل، وتَصَدُّر أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النّفط يوميًّا، ستَضُخ عشرات المِليارات في الاقتِصاد التّركي الذي تَبْلُغ نسبة نموّه السنويّة حاليًّا 5.8 بالمِئة، وتعود الاستِثمارات فيه بعَوائدٍ كبيرة.

السُّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ هو كيفيّة انعِكاس هذا التّقارب التّركي الإماراتي المُتسارِع على العُلاقات الاستراتيجيّة القطريّة التركيّة، إذا وضعنا في الاعتِبار حالة “الفُتور” التي سادَتها بعد انكِماش المُساعدات القطريّة لأنقرة، وحالة العداء المُتفاقمة بين قطر ودولة الإمارات، والحمَلات الإعلاميّة المُتبادلة والشّرسة بين الدّولتين الخليجيتين، وهل ستَدفع حركة الإخوان المُسلمين التي تتّخذ من تركيا قاعدة لها ثمن هذا التّقارب الإماراتي التّركي، مثلما دفعت ثمن نظيره المِصري التّركي لأنّ الإمارات تضع مُحاربة التّنظيم على قمّة أولويّاتها.

نُقطة أُخرى لا يُمكِن القفز عنها، تتمثّل في الانعِكاسات السياسيّة لهذا التّقارب، فهل سيُؤدِّي إلى تحقيق المُصالحة المُتَعثِّرة بين أنقرة والرياض؟ والأمر الآخَر هل ستقوم الإمارات للتي فتحت سفارتها في دِمشق قبل أشهر بالوِساطة لحَل الخِلافات السوريّة التركيّة؟

لا نملك أيّ إجابة عن هذه التّساؤلات، ليس لأنّ التّقارب التّركي الإماراتي المُفاجِئ ما زال في أيّامه الأُولى، وإنّما بسبب حالة التّكتّم التي يتحلّى بها الجانبان حول هذه المسائل أيضًا.

باختِصارٍ شديد، نختم هذه الافتتاحيّة بالقول إنّ الدبلوماسيّة الاقتصاديّة باتت تتقدّم على الدبلوماسيّة السياسيّة بالنّسبة إلى البلدين، وهذا ما يُفَسِّر أنّ التّبادل التّجاري بينهما وصل إلى 8 مِليارات دولارات العام الماضي رُغم الخِلافات السياسيّة والحمَلات الإعلاميّة، وأنّ أبو ظبي احتلّت المركز السّادس كأكبَر مُستَورد للبضائع التركيّة.. واللُه أعلم.

 

“رأي اليوم”