خروج الأمريكيين من أفغانستان يشكل تطورا وبداية مرحلة جديدة من الصراع قد تعيده إلى المربع الأول في حال ظلت قواعد اللعبة تدار بشكلها التقليدي، حيث أن أهمية أفغانستان في نظر صانع القرار الأمريكي لا تتجاوز كونها توفر وقود الصراع ومسوغات التدخل، لذلك فالذين يتصورون أن الأمريكان خرجوا من أفغانستان مهزومين هم الذين تصوروا يوما بأن أمريكا جاءت هناك للقضاء على إرهاب هي من صنعه، ولتوفير الديموقراطية والرفاه لبلد ظلت دوما وراء كل مئاسيه، ولا جديد في الموضوع غير استكمال ما بدأه الرئيس أوباما بضبط حركة طالبان التي أنتجتها المخابرات الباكستانية (فرع وكالة الإستخبارات الأمريكية الأهم بوسط آسيا والعالم الإسلامي) على إيقاع محدد يخدم في النهاية ما تريده السياسة الأمريكية ولا يمكن أن يخرج عليه، ويُبقي على الأزمة وعوامل التوتر قائمة.
حركة طالبان لا يمكن أن تشكل عامل استقرار أو تنمية بالمنطقة، ولا تمتلك بالمطلق آليات ذلك، ووصولها للسلطة في بلد تمزقه الصراعات العرقية والدينية ويعبث به تجار المخدرات وسماسرة السلاح لن يزيد جراحه إلا نزيفا، وسيزداد الوضع سوءً حتى يتحول التدخل من مجرد عملية احتلال دعت إليها أحداث ال ١١ سبتمبر إلى مطلب أفغاني وإقليمي وربما بمظلة أممية، وساعتها سندرك أن التعامل مع الانسحاب الامريكي من العراق وأفغانستان بمنطق النصر والهزيمة أمر لا يعبر بدقة عن الحالة هناك.