تدفنون قضايانا في الرمال كالنعامة. تخترعون من لغة ِ الضاد فصاحةً لتبريرِ السلامة. لا بأس إن أصبح طفلُ الأرضِ مُخرِّباً، ومَن يسرقُ أرضَه للسلام حمامة. العروبة صارت تهمةً من زمنِ كانَ، غدت فعلَ ماضٍ ناقصاً عند من خانَ الأمانة. واللغةُ صارت ثقيلةً نخجلُ بها نُطقا، ونتسوَّلُ لغاتٍ اخرى نعالجُ بها هنّاتِنا رَتقا، فتنوء جريحةً منسيةً وفي القلب حُرقة.
أشطرُكم يبتسمُ لأصغر سفير أجنبي جاء يناور، وينساق ضد شقيقِ أُمتّه في لهيبِ المَحاور. هذا ينبري فوق أشلائنا يُقسم بالله أنه صادق، وهذا في علمِ المروئة وشرف الأوطان منافق. وذاك يُطأطيء الرأس أمام حليف أجنبي لأرضِه سارق.تتافخون شرفا على بعضِكم البعضَ وتستلون البنادق،فتكثُر بين الشقيق والشقيق الخنادق.
يا أمةً صار فيها الدفاع عن الأرض تهمة، ومجردُ القول ان فلسطين مظلومة تُهمة، ومجرّد شرحِ أسباب دمارِ أوطاننا تُهمة. تتغزّلون بحريةِ الغرب كنعمة، ولو هتفَ المواطنُ في أرضنا حريةً انهالت عليه سياطٌ ونقمة.
لا عتبَ على جهلكم، وسوء فعلِكم. لا عتبَ ان لم تعرفوا أن العراق أقدمُ الحضارات البشرية، وأن دمشق أقدمُ مدينة سكنتها البريِّة، وأن في مصر الكنانة سرُّ الحياة والتاريخ، وفي مغرِبنا من ابن خلدون الى مالكٍ بنِ نبي رُسمَ فكرٌ لا يشيخ، وأرزُ لبنان أبحرَ سُفُناً ينقلُ الحرفَ، ومن على أرضه وُلدت أفكارُ التحرّر والمطبعةُ والصحافةُ ورسّخَ اللغةَ نحواً وصرفا.
في شرقنا ولد نبيُ الأسلام ومسيحُ السلام، لكننا هجَّرنا رُهباننا وقتلنا بالتأويل فكرَ الأمام . في أرضنا وُلدت القوانين والشرائع، وتُرجمتُ من امَّهات الفلسفةِ والأدبِ والعلمِ روائع. لكن في أرضنا ابتُلينا بساسةٍ، قليلُهم تاريخُه ناصع، وكثيرُهم تاجرٌ وبائع وصائع، وجميعُهُم في لعبة الأمم ضائع.
مِن يَمَنِنا بلقيسُ صاحت حتى السماء، بالله عليكم ماذا فعلتُم بالنساء، وأدْتُم باسم الشرفِ حريةَ النونِ، ورميتم ثرواتكم على عهر السياسية والبغاء، وفي شنقيط مخطوطاتُ تاريخِنا بالرمال منسيةٌ تستدعي الرثاء. ومنسيٌّ الصومالُ، وليبيا غارقةٌ بالدماء.
بريءٌ أنا منكم كما جلُّ شعوبِ أوطاننا. اسالوا جزائرياً أو مغربيا أو تونسيا او شنقيطيا عن أحوالنا، ستلمعُ عيناه شرفا أو تدمع حُزنا على أهوالنا، لكن قلبهم على قضايا الأمةِ نابض، كما المحروق عزة، على جمر الكرامةِ قابض.
إسالوأ المصريَ إن كان تآلف مع وهم السلام، سيضحك في سرّه ويقول :" سيبنا من الكلام" ، اسألوا اردنيا حيثُ تعمّد رسولُ السلام، والتقى راهبُ بحيرة بخيرِ الأنام، هل منذ وادي عربة بالهناءِ ينام؟ سيحدّثُك بصوتهِ الجهوري النبيل، عن خطر مشاريع الوطن البديل.
كفانا تسوّلا لمكرمة المحاور، هذا يلعبُ بنا وذاك يناور، كفانا نبش الفتن من القبور والعودة الى عصر المغاور. في هذه الأمةُ شعوبُ ينبضُ شبابُها بالحياة، وفيها ثرواتٌ أكبر مما يمِّنُ علينا الشرقُ والغربُ من فُتات.
احبُّ بلادي مطرّزة بالشهامة، تطوّر العلمَ، تُحرّر العقولَ، تحاور الشرقَ والغربَ من موقع الندِّ، لا من رأس مدفون بالرمال كالنعامة.
احبُّ بلادي من المحيط الى الخليج، ومن المشرق الى المغرب مهما علا الضجيج، لكني أعرف أنه لن تقوم لنا قيامة، بلا مشروع نهضةٍ مغزولٍ على نول الكرامة.