حرب عالمية مصغرة هي تلك التي تدور رحاها منذ ما يزيد عن عشر سنوات على الرقعة الجغرافية الواقعة بين بلاد الشام على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وبلاد الرافدين على المشارف الغربية لسلسلة جبال زاغروس. حرب فرضت على شعبي المنطقتين من جانب القوى الاستعمارية التقليدية التي تحاول إعادة صياغة المعادلات ورسم الحدود في هذه المنطقة المركز في الشرق الأوسط والتي وضع المحافظون الجدد خاصة في الولايات المتحدة مشروعا أوسع لها في نطاق الصراع على إعادة تشكيل أو تثبيت النظام العالمي.
على هذه الرقعة الشاسعة من الأرض تتواجه بشكل مباشر أو شبه مباشر قوات روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل وإيران وبريطانيا وفرنسا زيادة على مسلحين موردين بصفقات وعقود مالية متنوعة المصادر من زهاء 80 دولة من مختلف قارات العالم فاق عددهم في أوقات مختلفة 120 الف. في ساحة المعركة تلك تجرب أحدث الأسلحة ومختلف التكتيكات العسكرية، وتصنع الولايات المتحدة مختلف التنظيمات المسلحة ثم تتظاهر بمقاومتها.
في الحصيلة ومع بداية سنة 2021 لا يختلف كثيرون في أن الولايات المتحدة ومن حالفها تكبدوا نكسة في الحرب الدائرة على أرض بلاد الشام منذ منتصف شهر مارس 2011 حيث استطاع الجيش العربي السوري بدعم من روسيا وحزب الله اللبناني وإيران استعادة السيطرة على حوالي 72 في المئة من الأراضي السورية وإلحاق خسائر فادحة بكل التنظيمات المسلحة التي انخرطت في الحرب ضد حكومة دمشق. التدخل العسكري الأمريكي المتمثل في وجود أكثر من 2200 جندي في قواعد في شرق وجنوب سوريا والتدخل العسكري التركي المتمثل في مرابطة أكثر من 36 الف جندي في مناطق ادلب وشريط حدودي شمال سوريا وهجمات إسرائيلية جوية وصاروخية متواصلة تعرقل استكمال الجيش السوري فرض سيطرته على بقية التراب الوطني.
روسيا تمارس في نطاق تحالفها مع دمشق تكتيك القضم التدريجي للأراضي التي لا تزال في قبضة الخصوم مع الحرص على تجنب ركوب مخاطر مواجهات مباشرة مع واشنطن وحليفيها الرئيسيين على الساحة السورية أي إسرائيل وتركيا، وذلك حتى لا يتسع نطاق الصراع ويصل إلى حدود حرب عالمية ثالثة، وكذلك لتجنب نجاح الخصوم في تحويل الساحة السورية إلى مسرح استنزاف للكرملين مشابه لحرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان خلال ثمانينات القرن العشرين.
روسيا تتحدى الولايات المتحدة
يوم 8 فبراير 2021 اعتبر البنتاغون في تقرير له أن روسيا تسعى لتواجد عسكري دائم في سوريا في خطوة لتحدي مواقع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مشيرا إلى ارتفاع عدد الحوادث الخطيرة بين القوات الروسية والأمريكية.
وذكر قائد القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية، التي تدخل ضمن مسؤوليتها منطقة الشرق الأوسط، الجنرال كينيث ماكينزي، في مؤتمر صحفي عقده يوم الاثنين 8 فبراير: "روسيا تسعى إلى تقويض النفوذ الأمريكي وتعزيز هويتها كقوة عظمى عالمية... إجراءات روسيا في المنطقة تشمل إيجاد تمركز عسكريدائم في سوريا، حيث تتدخل بشكل دوري في حملة التحالف الدولي ضد داعش".
وأشار ماكينزي في هذا السياق إلى أن روسيا تعزز وجودها العسكري في سوريا بفضل اتفاق استئجار قاعدة عسكرية بحرية في مدينة طرطوس.
وتابع المسؤول العسكري: "في سبتمبر 2020 نشرت القيادة المركزية شرق سوريا، ردا على الارتفاع الخطير للاتصالات غير المرخصة وغير الآمنة للروس مع قوات التحالف، محطة رادارات للرقابة الإلكترونية ومجموعة من مركبات المشاة القتالية من نوع برادلي، إضافة إلى زيادة عدد تحليقات الدورية القتالية للقوات الأمريكية".
وأردف: "أتوقع أن تواصل روسيا تحدي وجود الولايات المتحدة مع توافر الإمكانيات الملائمة من خلال عرض نفسها كبديل للغرب ومحاولة لعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية وعبر توريد الأسلحة دون فرض قيود على قائمة مستخدميها".
من جانبه، اعتبر المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، أن روسيا "لم تكن طرفا مساعدا" في الساحة السورية، محذرا الطرف من الروسي من اتخاذ أي "إجراءات استفزازية" قد تؤدي إلى حوادث مع القوات الأمريكية.
فرص إدارة بايدن
التصريحات الصادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية جاءت بعد أن اعترف مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأوسط، جيفري فيلتمان، بفشل السياسة الأمريكية في سوريا في تحقيق أي نتائج ملموسة معتبرا أن الرئيس السوري بشار الأسد بات اليوم أقوى عسكريا.
وكان روبرت فورد آخر سفير أمريكي بدمشق قد كتب بدوره "لمجلة فورين أفيرز" الأمريكية يوم 26 يناير 2021 تحليلا جاء فيه:
خلال سنواته الأربع في منصبه، وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، مرارا، بإخراج الولايات المتحدة من أعمال بناء الدول. ورأى أن جهود الولايات المتحدة طويلة الأمد في إعادة إعمار وتثبيت استقرار مجتمعات ما بعد الصراعات كانت مضللَة ومحكوم عليها بالفشل. وكان الجزء الأكبر الذي أوفى ترمب بوعده فيه هو تخفيض أعداد القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، وتخفيض تمويل دعم الديمقراطية بنحو مليار دولار أثناء فترة رئاسته.
ولكن إدارة ترمب تراجعت عن ممارساتها في الابتعاد عن سياسات بناء الدول، من أجل متابعة عملية طويلة الأمد في سوريا. حاولت الولايات المتحدة أن تستعمل القوة العسكرية والضغوط المالية لإجبار الرئيس السوري بشار الأسد، على قبول تعديلات دستورية كبرى، وعلى إنشاء منطقة حكم ذاتي للأكراد في شمال شرقي البلاد. تطورت تلك المنطقة تحت الإشراف الأمريكي إلى شبه دولة لها جيشها الخاص، الذي يعرف بقوات سوريا الديمقراطية، وبيروقراطيتها الراسخة التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، وذراعها السياسي حزب الاتحاد الديمقراطي.
وبعد ست سنوات، ونحو 2.6 مليار دولار، أصبحت هذه الدويلة طفل أمريكا، فقد نشأت تحت حماية الجيش الأمريكي الذي وفر لها الحماية من جيرانها المعادين. ومنطقة الحكم الذاتي هذه غير قادرة على حماية نفسها، فهي ستبقى معتمدة على الموارد الأمريكية في المستقبل المنظور. ولكن الولايات المتحدة لا تريد هذا النوع من الالتزام المفتوح. فسوريا لم تكن قط قضية أمن قومي أمريكي، واقتصرت المصالح الأمريكية هناك على منع الصراع فيها من تهديد مصالحها الأكثر أهمية في مناطق أخرى. والسياسة الأمريكية الحالية لا تفعل الكثير لخدمة هذا الهدف.
ودعا فورد الإدارة الأمريكية الجديدة إلى إيلاء مزيد من الثقة لروسيا، بدل مواصلة الإستراتيجية الحالية المتبعة حيال سوريا.
وأقر فورد بوجود وجهين للسياسة الأمريكية حيث قال: ظاهريا، تم بناء الإستراتيجية الأمريكية في شمال شرق سوريا بهدف التخلص من آخر فلول “داعش”، وحرمان التنظيم من ملاذ آمن تنطلق منه هجماته.
وأضاف يفتقر النهج الأمريكي الحالي إلى نهاية قابلة للتحقيق، فمن دون غطاء دبلوماسي وعسكري أمريكي، من المرجح أن تواجه وحدات حماية الشعب، وقوات سوريا الديمقراطية، حربا على جبهتَين أو ثلاث جبهات ضد الحكومتَين السورية والتركية اللتين ستسحبان جنودهما من المعركة مع "داعش". ولتجنب هذه النتيجة، سيتعين على الولايات المتحدة البقاء في شرق سوريا إلى أجل غير مسمى، مع الاستمرار في دعم القوات الكردية. وإذا ما قررت روسيا أو تركيا أو إيران أو الحكومة السورية زيادة الضغط على القوات الأمريكية أو على الدويلة الكردية الناشئة، فسوف تضطر الولايات المتحدة إلى إلقاء المزيد من الموارد لمواجهة هذاالوضع. وهذا ما حدث عندما بدأت القوات الروسية بمضايقة الدوريات الأمريكية في صيف 2020، وقامت القيادة المركزية للقوات الأمريكية بإرسال وحدات مدرعة خفيفة كعامل ردع. ومن المرجح أن هذه الديناميكية سوف تتجه نحو الأسوأ في السنوات القادمة.
روسيا بعيدة كل البعد عن كونها شريكا مثاليا، ولكن دعمها للرئيس الأسد يجعلها القوة المناسبة لقيادة الحرب على "داعش". موسكو ملتزمة تماما بالحفاظ على استمرارية الحكومة السورية، كما أن عودة "داعش" مجددا التي يمكن أن يمولها سيطرتها على حقول النفط التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية سوف تشكل تهديداً للأسد. وللاستفادة من هذه المساحة الضيقة من الأرضية المشتركة يجب على حكومة بايدن أن تعقد صفقة توكل بموجبها موسكو مهمة محاربة "داعش" على جانبَي نهر الفرات. وهذا سيتطلب بالتأكيد زيادة أعداد القوات الروسية على الأرض في مناطق شرق سوريا، كما يجب على الولايات المتحدة أن تتفاوض على انسحاب تدريجي لقواتها وجدول زمني لنقل السيطرة من القوات الأمريكية إلى الروسية.
يجب على الرئيس بايدن أن يتجنب مفاجأة شركاء الولايات المتحدة الأكراد بهذه الإستراتيجية الجديدة، ويجب على إدارته أن تخبرهم مبكرا بشأن الخطوات الأمريكية القادمة. لقد كانت قوات سوريا الديمقراطية وقوات حماية الشعب الكردية شريكا جيدا في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، وسوف يتحلى الروس بالحكمة الكافية للعمل معهم بموجب ترتيبات جديدة. وموسكو لديها تجربة سابقة في هذا المجال، فروسيا قد أنشأت وجهزت وتشرف حاليا على "الفيلق الخامس" من المقاتلين الموالين لدمشق الذي ينفذ مهام قتالية في مختلف أنحاء البلاد. وبالاشتراك مع الحكومة السورية، يمكن لموسكو أن تنشئ "فيلقاً سادسا" مكوناً من قوات سوريا الديمقراطية تحت إمرة روسية.
ويضيف فورد: يرى عدد من المحللين أن الانسحاب الأمريكي من شأنه أن يمنح سيطرة كاملة لروسيا وإيران على سوريا، إلا أن هذه الفرضية تتجاهل العلاقات السياسية والعسكرية التي ترجع إلى عقود خلت للدولتين مع دمشق، والتي من غير المرجح أن تنجح الضغوط الأمريكية في إضعافها، فقد احتفظت سوريا وروسيا بعلاقات متينة منذ الحرب الباردة، وكان المستشارون الروس يعملون في سوريا قبل اندلاع الأزمة الحالية عام 2011. والوجود الإيراني أيضا قديم، فعندما كنت على رأس عملي سفيراً للولايات المتحدة في دمشق، قبل سنوات، كان الدبلوماسيون الأمريكيون يسكنون في شقة في نفس البناء الذي يقيم فيه أعضاء من الحرس الثوري الإيراني. وقد مضى على وجود منشآت للحرس الثوري في سوريا أكثر من عشرين عاما، ولن تتمكن بضع دوريات أمريكية في شرق سوريا من تغيير أي من هاتين العلاقتَين الثنائيتَين، ولن تتمكن من إيقاف شحنات الصواريخ الإيرانية إلى البلاد، وهذا أمر تحاول أن تقوم به القوات الجوية الإسرائيلية.
يمكن للرئيس بايدن بالطبع المحافظة على إستراتيجية ترمب، ولكن ذلك سوف يعني إهدار مليارات الدولارات، بالإضافة إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والفشل في احتواء "داعش". للولايات المتحدة أهداف محدودة في سوريا، وهذه الأهداف يمكن لواشنطن أن تحققها بتكاليف أقل بكثير. مهما كانت الأموال التي تريد إنفاقها، فهي يجب أن تسخر لمصلحة مشكلة اللاجئين الكبيرة. ومن الأفضل السماح لروسيا وتركيا بتأمين مصالحهما الوطنية، وحمل أعباء الحرب على "داعش". وفي نهاية المطاف، فإن هذه الصفقات تشكل جوهر الدبلوماسية في العمل على حل مشكلات محددة حتى مع شركاء بغيضين من أجل تحقيق أهداف محدودة ولكنها مشتركة.
ويقول فورد في ختام مقاله: في نهاية المطاف، يجب على إدارة بايدن أن تكون واقعية تجاه قدرة الولايات المتحدة على انتزاع التنازلات السياسية في سوريا.
مواجهة
في موسكو كتب المحلل السياسي فلاديمير موخين، في "نيزافيسيمايا غازيتا" يوم 11 فبراير 2021:
تعمل روسيا والولايات المتحدة على تعزيز قدراتهما العسكرية في سوريا. وبات لدى روسيا، التي أعلنت غير مرة عن سحب قواتها من الجمهورية العربية السورية، أهداف إستراتيجية جديدة،يجري تحديث قاعدة حميميم الجوية لتحقيقها. فقد تظهر هناك قريبا، بعد إعادة بناء المدرج، طائرات إستراتيجية بعيدة المدى قادرة على حمل أسلحة نووية. ستكون القاذفات الإستراتيجية قادرة، إذا لزم الأمر، على ضرب الإرهابيين باستمرار ودعم السرب الروسي المتوسطي.
وقد نشرت الدورية الأمريكية "درايف" مؤخرا مقالا تحليليا، لجوزيف تريفيثيك، عن تعزيز روسيا قوتها في قاعدة حميميم الجوية في سوريا. ويتحدث مؤلف المادة عن أن هناك "حيلة هندسية" صغيرة يجري تنفيذها لهذا الغرض، مرتبطة بإطالة المدرج. وسوف يؤدي ذلك، في حال رغبت روسيا، إلى تغيير التوازن الجيوسياسي في الشرق الأوسط لمصلحتها.
ويشير تريفيثيك إلى أن "قاعدة حميميم الواقعة في محافظة اللاذقية الساحلية السورية، أداة مهمة لتواجد الكرملين العسكري في ذلك البلد". على الرغم من أنه سيكون من الأصح القول، هنا، إن روسيا تحاول توسيع نفوذها الجيوسياسي والعسكري ليشمل البحر الأبيض المتوسط بأكمله.
ويذكر تريفيثيك بأن "القاذفات الروسية المجهزة بصواريخ مجنحة، بانطلاقها من قاعدة حميميم الجوية، ستكون قادرة على تعريض أهداف في أوروبا للخطر، من اتجاه جنوبي جديد، وضرب القوات البحرية للعدو في حال حدوث نزاع. وستكون هذه الطائرات أيضا قادرة على الاستجابة بفاعلية أكبر للأزمات والحالات غير المتوقعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
وفي الولايات المتحدة وروسيا، هناك محللون يعتقدون بأن ما يحدث مرتبط بأهداف جيوسياسية جديدة لروسيا وإنشاء مجموعات قوات جوية في الشرق الأوسط.
الجزرة والعصا
أشارت مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين خلال شهر فبراير 2021 إلى أن إدارة البيت الأبيض الجديدة أعطت زخما إضافيا لمحاولات كانت قد بدأت خلال الأشهر الأخيرة لحكم الرئيس ترمب بإتباع سياسة العصا والجزرة مع دمشق. حيث تلوح واشنطن بإمكانية إعادة الجزء الأكبر من هضبة الجولان الذي لا يزال تحت الاحتلال الإسرائيلي إلى دمشق ووقف الحرب ضدها والمساهمة في إعادة الإعمار، مقابل معاهدة سلام سورية مع تل أبيب وإخراج قوات حزب الله من سوريا وكذلك القوات الإيرانية وتقليص الوجود العسكري الروسي.
وفي نطاق هذه الإغراءات أعلن البنتاغون أن مهمة القوات الأمريكية في سوريا لم تعد تتضمن حماية آبار النفط في منطقة شرق الفرات. ولكن ويوم 10 فبراير تمت الاستدارة على هذا التصريح.
فقد أعلنت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جيسيكا مكنالتي، أن قوات بلادها ستواصل حربها على تنظيم "داعش" ومساعدة شركائها في سوريا والعراق.
وأكدت مكنالتي على ما قاله السكرتير الإعلامي للبنتاغون، جون كيربي، بالقول "الولايات المتحدة ملتزمة تماما بالحرب ضد داعش، وسنستمر في عملنا مع بقية الدول في التحالف، وبالاشتراك مع شركائنا السوريين سنمنع وصول داعش إلى نفط شمال شرق سوريا".
وتابعت جيسيكا مكنالتي: "تتولى قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بمساندة من القوات الأمريكية، حماية آبار النفط لكي لا تتحول إلى مصدر وتمويل لداعش".
وكان السكرتير الإعلامي للبنتاغون، جون كيربي، قد أعلن يوم الاثنين 8 فبراير، خلال مؤتمر صحفي أن "بقاء قوات بلاده في سوريا ليس فقط من أجل حماية آبار النفط، بل وأيضا لمنع عودة داعش للبروز من جديد.
وعن عدد القوات الأمريكية في سوريا، قال كيربي: "يبلغ عدد جنودنا في شمال شرق سوريا الآن نحو 900 جندي، ويرتفع هذا العدد وينخفض يوميا، حسب العمليات". مصادر محايدة غربية تتحدث عن أكثر من 2000 جندي أمريكي.
أما عن المساعدات العسكرية الأمريكية لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، فقد قال كيربي: "جزء من مهام القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا يتمثل في دعم ومساعدة قسد"، لكنه رفض التصريح بخصوص ماهية تلك المساعدة.
وكانت وكالة "سانا" السورية قد ذكرت نهاية شهر يناير 2021 أن القوات الأمريكية باشرت بإنشاء قاعدة جديدة لها في منطقة اليعربية بريف الحسكة الشرقي.
ونقلت الوكالة عن مصادر محلية أن مواد لوجستية وعتادا عسكريا تم استقدامها إلى القاعدة.
وأوضحت أن القوات الأمريكية أدخلت 10 ناقلات جند إلى مدينة المالكية في أقصى شمال شرق الحسكة تمهيدا لنقلها إلى ريف اليعربية المتاخمة للحدود العراقية، حيث باشرت بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة قرب تل علو شمال غرب اليعربية.
وأضافت الوكالة أن تلك القوات "استقدمت آلات تجهيز الطرق وقامت بتعديل وفرش الإسفلت بالقرب من صوامع تل علو على مقربة من قاعدة خراب الجير التي تتخذ منها قوات الاحتلال الأمريكي منطلقا لمروحياتها" وقالت إن ذلك بهدف "تعزيز وجودها اللاشرعي في الجزيرة السورية تماشيا مع مخططاتها الرامية إلى سرقة النفط والثروات الباطنية السورية والمحاصيل الرئيسية"
وذكرت الوكالة إن القوات الأمريكية أدخلت خلال الأشهر القليلة الماضية آلاف الشاحنات المحملة بأسلحة ومعدات عسكرية ولوجستية إلى الحسكة لسرقة النفط وغيره من ثروات وخيرات البلاد.
وزير النفط السوري بسام طعمة كشف يوم 3 فبراير 2021 إن خسائر قطاع النفط منذ بداية الأزمة بلغت 91.5 مليار دولار.
وخلال مناقشة أداء وزارته أمام أعضاء مجلس الشعب "البرلمان" أوضح طعمة أن الخسائر المباشرة التي لحقت بالمعدات في القطاع النفطي بلغت 19.3 مليار دولار، منها 3 مليارات قيمة الأضرار التي ألحقها طيران "التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وأما الخسائر غير المباشرة فبلغت 72 مليار دولار.
وأضاف طعمة، أن إنتاج سوريا اليومي من النفط العام الماضي بلغ 89 ألف برميل، وإن 80 ألفا منها "تمت سرقتها، أي أن إنتاج المنطقة الشرقية كله يسرق".
آمال تيار اليمين
يوم 10 فبراير 2021 كتب فابريس بالونش، هو أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في "جامعة ليون 2"، وزميل زائر في معهد واشنطن، تحليلا عن الأوضاع التي يمكن ان تستغلها إدارة بايدن في سوريا، وقد تبنى في تحليله وجهة نظر الجناح اليميني في الإدارة الأمريكية الذي يرفض الإقرار بإنتكاسة سياسة البيت الأبيض في بلاد الشام:
بالمعنى الرسمي، على الأقل، بالكاد تغير الوضع على الحدود السورية خلال العامين الماضيين. فما زالت الأجندة الغربية تستبعد أي حل دولي، مماثل لما تم التوصل إليه في "اتفاق دايتون" المبرم في دول يوغسلافيا السابقة. وتعارض روسيا وشركاؤها في "عملية أستانا"، وإيران وتركيا، أي جهود رسمية لتقسيم البلاد أو ترسيخ وجود كيان كردي منفصل في الشمال. علاوة على ذلك، تسببت المشاكل الناتجة عن تقسيم السودان بنشوء شكوك جدية لدى صناع السياسة الغربيين حول جدوى مثل هذا الحل لسوريا. ومع ذلك، لم تمنع أي من هذه الاحتمالات الدولية المجهضة القوى الخارجية من تقسيم البلاد بشكل غير رسمي إلى مناطق نفوذ متعددة والسيطرة من جانب واحد على معظم حدودها، وبالتالي حرمان نظام الأسد من أداة رئيسية للسيادة.
من المؤكد أن إستراتيجية النظام السوري لمكافحة التمرد قد أتت بثمارها داخل البلاد. فقوات بشار الأسد تسيطر الآن على ثلثي الأراضي السورية، من بينها جميع المدن الرئيسية الست دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية وطرطوس ودرعا ودير الزور، بالإضافة إلى 12 مليون نسمة من أصل عدد السكان الإجمالي المقدر بـ 17 مليون ما زال 7 ملايين سوري يعيشون في الخارج كلاجئين. وهذا تحول كامل عن وضع النظام السيئ في ربيع 2013 عندما كانت قوات الأسد تسيطر على خُمس مساحة البلاد فقط.
ومع ذلك، تعتبر الحدود رمز السيادة بلا منازع، ولا يزال سجل أداء النظام خالياً تقريبا على هذا الصعيد. ويسيطر الجيش السوري على 15 في المائة فقط من الحدود البرية الدولية للبلاد، في حين تتقاسم جهات فاعلة أجنبية الحدود المتبقية.
يسيطر حالياً "حزب الله" وميليشيات شيعية أخرى مدعومة من إيران على حوالي 20 في المائة من حدود البلاد. وعلى الرغم من أن سلطات الجمارك السورية هي المسؤولة رسميا عن إدارة المعابر مع العراق البوكمال، والأردن نصيب، ولبنان العريضة وجديدة يابوس وجوسية والدبوسية، إلا أن السيطرة الحقيقية تكمن في الواقع في أماكن أخرى. ويحتل "حزب الله" الحدود اللبنانية، وأقام قواعده على الجانب السوري الزبداني والقصير التي يسيطر منها على منطقة القلمون الجبلية. وبالمثل، تدير الميليشيات الشيعية العراقية كلا جانبي الحدود من البوكمال إلى التنف. وتمتد قبضة القوات الموالية لإيران أيضا إلى العديد من المطارات العسكرية السورية، والتي غالبا ما تكون بمثابة وسيلة لنقل الأسلحة الإيرانية الموجهة إلى "حزب الله" وخط المواجهة مع إسرائيل في مرتفعات الجولان. ويكشف هذا الوضع عن اندماج سوريا الكامل في المحور الإيراني.
بعد استعادة الجيش السوري سيطرته على الجنوب في يونيو 2018، عاد إلى الحدود الأردنية وأعاد فتح معبر "نصيب" في جو احتفالي كبير. لكن حركة المرور لا تزال محدودة جدا حاليا، ووجود الجيش في محافظة درعا سطحي. ولإخماد المقاومة المتنامية في المنطقة بسرعة، اضطر النظام إلى توقيع اتفاقيات مصالحة بوساطة روسية، تاركا الفصائل المتمردة المحلية تتمتع باستقلالية مؤقتة وحق الاحتفاظ بأسلحة خفيفة. وحافظ المتمردون السابقون أيضاً على روابط قوية عبر الحدود عن طريق الحدود الأردنية، مما يمنحهم مصدرا محتملا للدعم اللوجستي في حالة نشوب صراع جديد وفي غضون ذلك الحصول على دخل مربح للغاية من عمليات التهريب.
وكلاء الأتراك
في عام 2013، بدأت تركيا في بناء جدار حدودي في منطقة القامشلي، معقل الأكراد السوريين. ومنذ ذلك الحين وسعت هذا الحاجز على طول الحدود الشمالية بأكملها. وكان أحد الأهداف منع التسلل: أولا من قبل حزب العمال الكردستاني، وهي جماعة تعتبرها أنقرة عدوها الداخلي الرئيسي والمنظمة الأم للفصائل الكردية التي تسيطر على أجزاء كبيرة من شمال سوريا، ولاحقامن قبل تنظيم الدولة الإسلامية، بعد موجة من الهجمات الإرهابية الجهادية التي هزت تركيا في عام 2015.
وكان الهدف الآخر هو منع تدفق المزيد من اللاجئين السوريين إلى تركيا، التي تستضيف بالفعل 3.6 مليون لاجئ. ولا يزال العبور الفردي ممكنا عبر السلالم والأنفاق، لكن الشرطة التركية توقف معظم هؤلاء المهاجرين وتعيدهم بعنف إلى سوريا.
وفي الواقع، إن الجزء الوحيد من الحدود الشمالية الخاضعة لسيطرة الأسد هو معبر "كسب" شمال اللاذقية، وحتى هذا المعبر تم إغلاقه من الجانب التركي منذ عام 2012.
في أكتوبر 2019، شنت تركيا هجوماً عبر الحدود في الشمال، مما دفع القوات الأمريكية إلى الانسحاب من معظم الأراضي في "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" التي يسيطر عليها الأكراد. وبعد ذلك، سيطرت روسيا على مناطق الاتصال بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا ومناصريها في الجيش الوطني السوري وفقالاتفاق وقف إطلاق النار المبرم في سوتشي في ذلك الشهر نفسه. وحلت الدوريات الروسية التركية محل الدوريات الأمريكية التركية على خطوط التماس هذه لضمان انسحاب قوات سوريا الديمقراطية من منطقة الحدود التركية. وعلى الرغم من أنه قد طُلب من قوات الأسد نشر بضع مئات من الجنود على طول تلك الحدود، إلا أن وجود هذه القوات يعتبر رمزيا فقط. ومنذ ذلك الحين، انطلقت الدوريات الروسية باتجاه الشرق، في محاولة لإقامة موقع في مدينة المالكية ديريك باللغة الكردية والسيطرة على المعبر مع العراق في سيمالكا فيشخابور، وهو طريق الإمداد البري الوحيد المتاح للقوات الأمريكية في شمال شرق سوريا.
متاهة ادارة بايدن
جاء في بحث نشره موقع "الحرة" التابع للحكومة الأمريكية يوم السبت 6 فبراير 2021:
تعكس الحالة المأساوية في سوريا في جزء كبير منها فشل السياسة الخارجية الأمريكية خلال حكم الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترمب.
بعد ما يقرب من 10 سنوات أصبحت الأزمة الآن في عهدة الرئيس جو بايدن، فما الذي يمكن أن تتخذه إدارة بايدن لإعادة الأمور إلى نصابها في سوريا، وهل يملك الرئيس الأمريكي حلاناجعا لأزمة معقدة ومتشابكة، أم سيفضل الانسحاب من هذا الملف الشائك حتى لا يلاحقه الفشل كما طارد أسلافه؟
على الرغم من أن بايدن تجنب منذ توليه الحكم التعليق على ما يجري في سوريا أو طرح رؤيته حول الدور الأمريكي، فإن أنتوني بلينكن وزير خارجيته أقر في مايو 2020 بفشل سياسة إدارة أوباما السابقة.
وفي حين أن بلينكن أشار في هذا الوقت إلى أنه يجب على الولايات المتحدة دعم الشركاء المحليين في شمال شرقي سوريا، ومواصلة الضغط على نظام بشار الأسد للحصول على تنازلات، والبدء في إعادة الانخراط في المسار الدبلوماسي بغية الوصول إلى حل، فإن تلك لا تمثل سوى عناوين عريضة لا ترقى إلى موقف سياسي يقترن بجهد فعلي على الأرض والتزام واضح.
ستكون إدارة بايدن مقيدة بمجموعة من القيود التي قد تعرقل في نهاية المطاف إحداث تأثير ذي مغزى في المدى القصير على الأقل، إضافة إلى قيود أولويات السياسة الخارجية لبايدن التي لن تضع سوريا على رأس القائمة. وحتى لو كرست إدارة بايدن جهودها جادة لإعادة الانخراط في الملف السوري، فإن المعركة في المشهد السياسي والعسكري في سوريا طالما كانت واشنطن تلعب فيها دورا محدودا.
وفيما ينظر الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء إلى أن معالجة الصراع في سوريا يجب أن تكون في سياق أن تترك الولايات المتحدة سوريا ومناطق الصراع الأخرى لإنهاء ما يسمى الحروب التي لا نهاية لها، لكن المشكلة التي يدركها خبراء الإستراتيجية هي أن رحيل القوات الأمريكية أو فك الارتباط لا ينهي الحروب أو النزاعات الطويلة الأمد، ومع ذلك هناك القليل من الجهود المبذولة نحو وضع إستراتيجية تلعب من خلالها الولايات المتحدة دورا في إنهاء النزاعات بينما تحمي الأمن القومي والمصالح الجيوسياسية الأمريكية في نفس الوقت، وفي غياب هذا المنهج، من المرجح أن يتزايد الاتجاه نحو تفضيل الانسحاب وفك الارتباط الأمريكي.
وفي إطار رغبة بايدن في استمرار سياسة عدم توسيع الانخراط العسكري في الخارج، فمن المرجح أن يعتمد على الأدوات الدبلوماسية في السياسة الخارجية التي قد تنصب على محاولة تنشيط العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة في جنيف لحل النزاع، لكن ذلك الجهد من السهل طرحه ومناقشته من دون ضمانة حقيقية لتحقيق إنجاز فعلي، ذلك أن إعادة الانخراط الدبلوماسي الأمريكي في سوريا سوف تتطلب إقامة علاقات تعاونية تقوم على الثقة مع الروس الذين أنشأوا خلال الأعوام الماضية مساراً دبلوماسياً موازيا مع كل من تركيا وإيران خارج إطار الأمم المتحدة، ولكن ليس هناك ما يشير إلى أن موسكو قد تتعاون على دفع آفاق الانتقال السياسي نحو حل سلمي وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
عقوبات ومساعدات
ومع ذلك، فإن نية إدارة بايدن في إعادة انخراط الولايات المتحدة في سوريا عبر بوابة المساعدات الإنسانية وزيادة دعم الجهات الفاعلة في المجتمع المدني للمساهمة في استقرار المناطق الجغرافية المحرومة في محافظة إدلب وشمال شرقي سوريا، سيكون لها تأثير إيجابي على أرض الواقع، إضافة إلى الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرقي سوريا وإمكانية فتح حوار أمريكي تركي بشأن الأكراد السوريين ووقف التعنت التركي في محاولة إقصائهم من المشهد السياسي والسيطرة على مناطق نفوذهم ومحاكمتهم على الأراضي التركية.
وفي حين يتوقع أن تستمر إدارة بايدن في سياسة فرض العقوبات على النظام السوري في محاولة للحصول على تنازلات، لكن من غير الواضح مدى فعالية هذه العقوبات وحدها من دون استخدام أدوات الضغط الأخرى بخاصة في ظل استمرار العوامل المحلية والدولية والمتعلقة بالنزاع والتي قد تجعل الجهود الأمريكية تجاه سوريا في ظل إدارة بايدن عاجزة عن معالج القضايا الهيكلية في دولة مزقتها الحرب.
ولكن في غياب حل تفاوضي، من المرجح أن تستمر حرب الاستنزاف الفوضوية في سوريا لسنوات أخرى مقبلة، على أمل أن تنجح فيما أنجزته من قبل المقاومة الأفغانية لطرد السوفيات من أفغانستان بخاصة في ظل الإنهاك الذي تسببه هذه الحرب، لكن سيتعين على إدارة بايدن أن تعيد تقييم المزايا التي يمكن أن تتحقق مقابل المخاطر الأخرى، بما في ذلك التكلفة.
عمر نجيب