يوم الإثنين الماضي الموافق لفاتح فبراير 2021 كنتُ في مطار أم التونسي، مسافرا نحو مقرّ إقامتي (خارج البلد). وفي أحد أمتعتي بعض الأجهزة الإلكترونية رَكدَت لسنوات، فبعثها معي أحد أقاربائي علِّي أجد لها مَن تُضيف له قيمة. فلمّا أظهرها جهاز الاكتشاف نادى عليّ زعيم الجمارك، وسألني عما في متاعي. فأخرجتُ له إحدى الآلات، وهي (carte reseau) وأخبرتُه بدقة عن حالها (ومنه أنها صُنعت منذ تسع سنوات ولم تعُد لها قيمة تُذكر، في زمن الwifi). فردّ عليّ بأن ذلك لا يهمّه وأن هنالك إجراءات تعني الجمارك يجب عليّ القيام بها من أجل اصطحابها معي. فأبديتُ استعدادي للقيام بتلك الإجراءات. لكنه سارع إلى القول إن مَكتب الجمارك المُناطَ إليه القيام بالإجراءات في المطار، ليس مفتوحا. فرددتُ عليه: ألست أنت الجمارك؟ هاتي الأوراق وسأملؤها بما أعلم.
بَعد صمتٍ، التفتَ إليّ وقال بكل فجاجة: "كم تدفع لأسمح لك بالعبور؟". تفاجأتُ أولا، ثم طلبتُ منه أن يُعيد السؤال. ففعل. فطلبتُ منه ثانية لأنني ثقيل السمع. ففعل. فرددتُ عليه أن الأمر يُحرّمه القانون والشرع وأنني -عكس غيري- أحترم القانون والشرع.
توقّعتُ أن يكون لكلمة "قانون" مفعولٌ رادع عليه. وإلا فربما كلمة "شرع" وقد كان بيده "تسبيحٌ" ما فتئَت حَبّاتُه "أَصْرَكْ أَصْرَكْ" خلال حديثنا. فكان جوابه أن لا مفرّ من الدفع وإلا فلن تمر أمتعتي.
كنت أخجلُ له حيث لا يخجل لنفسه.
أخبرتُه أن يدي ويدَه لن تتبادلا قطعة نقد واحدة، لأن ذلك مخالف للقانون. فنظر إليّ نظرة مَن لا يعبأ بغير دَخله اليومي من الرشوة وابتزاز المسافرين.
عدتُ بالشنطة لأسلّمها لمرافقٍ كان حظي أنه لم يغادر المطار بعد...
منشور كتبه صديقي Isselmou Dellahy Maloum ، واسلمو لمن لا يعرفه مهندس، صاحب أول اتصال لموريتانيا بالانترنت في العام 1994، سُجلت باسمه عدة براءات اختراع في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يعمل الآن، وكان قد عمل سابقا في شركتي Google و Motorola .
يبقى أن أقول بأنه من أكبر المدافعين عن اللغة العربية، وذلك على الرغم من كونه قد أكمل دراسته الجامعية في فرنسا.
الكاتب والمدون
محد الأمين ولد الفاظل