الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يعيش هذه الايام حالة من القلق والارتباك بسبب تقدم قوات الحماية الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في الشمال السوري، واقدامها، حسب وكالات الانباء، على تهجير العرب والتركمان من هذه المناطق تمهيدا لاقامة دولة كردية على طول الحدود الشمالية السورية المحاذية لنظيرتها التركية.
قلق الرئيس اردوغان ينبع من امرين: الاول ارتباط قوات حماية الشعب الكردي بحزب العمال الكردي، حسب رأيه، والثاني استقلال اكراد سورية، مما يشجع على استقلال نظرائهم في تركيا، سواء كان هذا الاستقلال على شكل حكم ذاتي، او انفصال كامل، خاصة ان الشريط الكردي المذكور سيكون متصلا باقليم كردسستان العراق شبه المستقل.
الامر المحير ان الرئيس اردوغان، الذي اكد انه لن يسمح بقيام دولة لاكراد سورية في شمالها، يقيم علاقات اقتصادية وسياسية وثيقة مع السيد مسعود البرازاني، رئيس اقليم كردستان العراق، مما يطرح تناقضا كبيرا في موقفه هذا، ويجعله عصيا على الفهم، خاصة انه يدعم بقوة جماعات معارضة سنية مسلحة تريد اطاحة النظام السوري الذي منع قيام اي كيان كردي في شمال بلاده، فاذا كان يخشى فعلا انفصال اكراد سورية، لما يمكن ان يترتب على ذلك من اخطار على وحدة التراب التركي واستقراره، فلماذا لم يضع الرئيس اردوغان هذه الاخطار في حسابه عندما سهل مرور المقاتلين والاسلحة عبر بلاده لدعم المعارضة المسلحة، واضعاف النظام السوري بالتالي، مثلما يتساءل الكثير من المراقبين؟
من المؤكد ان الرئيس اردوغان يعيش حالة من الارتباك في مواقفه لفشل مشروعه في سورية بعد اكثر من اربع سنوات من التدخل العسكري غير المباشر، واتساع دائرة المعارضة داخل تركيا لهذا التدخل، ولخسارته الاغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية التركية الاخيرة، وانهيار طموحاته في تعديل الدستور وتحويل النظام السياسي التركي الى نظام رئاسي على غرار النظامين الفرنسي والامريكي، ومنحه كرئيس جمهورية، صلاحيات تنفيذية مطلقة.
وما زاد الطين بله، بوادر تمرد المؤسسة العسكرية التركية على حكمه، ورفض الجنرال جودت اوزال رئيس هيئة اركان الجيش التركي لطلبه، ورئيس حكومته احمد داوود اوغلو، التدخل جويا وبريا في سورية، بذريعة عدم ملائمة المناخ الدولي، والتحسب لردود الفعل السورية، او الروسية، والايرانية، تجاه كل هذه الخطوة، هو احد ابرز هذا التمرد غير المسبوق في تركيا.
الرئيس اردوغان بات مثل “البطة العرجاء”، اي بدون صلاحيات فعلية، فجهوده لتشكيل حكومة ائتلافية تصطدم بشروط احزاب المعارضة الثلاثة الكبرى شبه تعجيزية (حزب الشعب الجمهوري، الحركة القومية، حزب الشعب الديمقراطي)، وتراخي قبضته القوية على المؤسسة العسكرية، مما يوحي بحجم المأزق الذي يعيشه حاليا، خاصة ان الدعوة لاجراء انتخابات برلمانية مبكرة، ربما تعطي نتائج عكسية تماما من حيث تراجع مقاعد حزبه، العدالة والتنمية، في البرلمان اكثر فاكثر، وفق تنبؤات بعض الخبراء السياسيين الاتراك.
سورية باتت المصيدة المحكمة الاعداد التي جرى ايقاع الرئيس اردوغان وحزبه بين ضلعي كماشتها، لانهاء نموذجه السياسي الذي اثار الاعجاب لمزاوجته بين الاسلام والديمقراطية، وتحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية جدا، جعلت من تركيا ضمن دائرة الدول العشرين الاقوى في العالم.
انها لعنة سورية التي بدأت تحرق اصابع من تدخل عسكريا وسياسيا في شؤونها.
“راي اليوم”