تتواصل فُصول التّصعيد في “الحرب الباردة” بين الولايات المتحدة الأمريكيّة والصين هذه الأيّام خاصّةً من الطّرف الأمريكيّ، فاليوم أعلن مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكي، أنّه يملك أدلّةً موثّقةً تُؤكِّد أنّ فيروس كورونا المُستَجد جاء من مُختبرٍ في مدينة ووهان الصينيّة، أمّا رئيسه دونالد ترامب فاتّهم الصين بتضليل العالم، ومنظّمة الصحّة العالميّة، وأخفت معلوماتٍ عن انتشار الفيروس.
مُنذ أسابيع والحملة الأمريكيّة التي تَستهدِف الصين مُتأجِّجة، فتارةً يتّهمونها “بتصنيع” الفيروس ونشره في العالم، وتارةً أخرى يُهدِّدون بفرض عُقوبات اقتصاديّة عليها، وجرجرتها أمام المحاكم للحُصول على تعويضاتٍ بمِئات المِليارات من الدّولارات.
فإذا كان بومبيو ورئيسه يقول بأنّ هُناك وكالات استخباريّة أمريكيّة تُتابع أدلّةً مُهمّةً تُشير إلى أنّ الفيروس جاء من مُختبرِ ووهان الصينيّة، وأنّ هذه المعلومات مُوثّقة فلماذا لا يَعرِضها على معاهد ومراكز بُحوث وعُلماء مُختصّين لفحصها؟
أمرٌ مُريب أن تعهد الإدارة الأمريكيّة إلى أجهزة المُخابرات لتقصّي الحقائق بشأن فيروس الكورونا، وليس العُلماء ومراكز الأبحاث، الأمر الذي قد يُؤكِّد بطريقةٍ أو أخرى مضمون ردّ السّلطات الصينيّة الذي يقول إنّها، أي الإدارة الأمريكيّة، تُريد تَحويل الأنظار عن فَشلِها في مُواجهة الفيروس بتوجيهِ التّهم إلى الصين، فحتّى هذه الأجهزة، وخاصّةً وكالة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة (سي آي إيه) قالت الأسبوع الماضي في بيانٍ لها إنّ فيروس الكورونا ليس من صُنع الإنسان.
الأرقام لا تكذب، وعندما تقول الإحصاءات أنّ عدد الإصابات في أمريكا قد تجاوز المليون إصابة، وأنّ عدد الوفيّات بلغت 65 ألف حالة حتى الآن، فإنّها تُؤكِّد هذا الفشَل الذّريع للرئيس ترامب ورهطه، وهو الذي ضلّل الشّعب الأمريكيّ وقلّل من خطرِ الوباء، وتردّدت إدارته أكثر من شهر قبل اتّخاذ الإجراءات اللّازمة لمُواجهته مُبكِرًا، الأمر الذي لو حصَل، لحمَى أرواح آلاف الضّحايا.
ولعلّ اتّهام ترامب لمنظّمة الصحّة العالميّة بالتّواطؤ مع الصين يَكشِف عن حجم ارتِباكه وكذِبِه في الوقت نفسه، فإذا كانت بلاده تُقَدِّم 450 مِليون دولار سنويًّا كمُساعدات للمنظّمة في مُقابل 38 مِليون دولار تُقدّمها الصين، فلماذا تنحاز المنظّمة للأخيرة، أيّ الصين، وتُضحِّي بنِصف مِليار دولار هي مُساهمة أمريكا؟
نحن هُنا في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” لا نُدافع عن الصين، وإنّما نُشَكِّك في الادّعاءات الأمريكيّة التي تُصَعِّد من حدّة التوتّر وتُزعزِع عدم الاستِقرار في العالم بأسرِه، في وقتٍ يجب أن يتضامن الجميع، ويقفون يدًا واحدةً في وجه هذا الخطر الذي يُهَدِّد البشريّة جمعاء.
ترامب كاذبٌ مُحترفٌ، والصّحف الأمريكيّة وثّقت ارتِكابه أكثر من 320 كذبة من الوزن الثّقيل مُنذ تولّيه السّلطة، ناهِيك عن مواقفه التي تتّسم بالحمق، وأُخرى مُطالبته لمُواطنيه بشُرب أو حقن أنفسهم بالمواد المُطهّرة مِثل الديتول لقتل فيروس الكورونا في دقيقةٍ واحدةٍ.
هذا الرجل يَجُر العالم إلى حربٍ كُبرى مُدمِّرةٍ، سواءً مع الصين أو روسيا أو الاثنتين، ولهذا يجب منعه فَورًا، ووضع حدٍّ لتهوّره وهذه مسؤوليّة الشّعب الأمريكيّ أوّلًا، قبل أن تكون مسؤوليّة العالم.
أمريكا خَسِرت حرب العُلاقات العامّة لمصلحة الصين التي أدارتها بذكاءٍ شديد، وبطُرقٍ عمليّة من خِلال تقديم مُساعدات طبيّة وإداريّة تشمل الخُبرات والمعدّات، لأكثر من 90 دولة، من بينها دول أوروبيّة مِثل إيطاليا وإسبانيا، أمّا الولايات المتحدة فلم تُقدِّم غير الغطرسة والاتّهامات الكاذبة.
الصين تُواصِل صُعودها لاحتِلال المرتبة الأولى كقوّةٍ اقتصاديّة وعسكريّة عُظمى، والإطاحة بالولايات المتحدة التي تربّعت عليها مُنذ عام 1945، أيّ نهاية الحرب العالميّة الثّانية، وهذا الصّعود الصيني يُفَسِّر كُل شيء، خاصّةً حالة السّعار التي يعيشها ترامب حاليًّا والفريق العامِل معه.
(رأي اليوم)