أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الاثنين عدوله عن الترشح لولاية خامسة، وإرجاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 نيسان/أبريل الى أجل غير محدد وذلك عقب تظاهرات حاشدة رفضت ترشحه للرئاسة مجدداً.
وعاد بوتفليقة الأحد من جنيف حيث كان يجري “فحوصا دورية” منذ 24 شباط/فبراير، فيما تشهد بلاده تظاهرات واسعة وحاشدة غير مسبوقة في كل أنحاء البلاد منذ 22 شباط/فبراير رفضا لترشحه لولاية خامسة.
وقد ظل بوتفليقة يوصف لفترة طويلة برجل المصالحة الوطنية الذي جلب السلم للجزائر بعد عقد من الحرب الأهلية. ولكن كثيرين اتهموه بانه يتشبث بالحكم رغم المرض الذي يقعده.
وأمضى “بوتف”، كما يحلو لمواطنيه تسميته، رقما قياسيا في سنوات الحكم، إذ انتُخب أول مرة رئيسا في 1999.
ولم يعد الرجل يظهر علناً إلا نادرا منذ تعرضه لجلطة دماغية في 2013 أقعدته على كرسي متحرك وأفقدته قدرته على الكلام.
ومنذ 22 شباط/فبراير، تصاعدت الاحتجاجات الرافضة لترشحه لولاية خامسة. وكانت تظاهرة الجمعة الأول من آذار/مارس الحاشدة غير مسبوقة من حيث حجمها وسقف مطالبها خلال العشرين سنة الماضية.
وطالب المتظاهرون برحيل بوتفليقة وعدم ترشحه مجددا و”إسقاط النظام”.
وبوتفليقة الذي كان في سن 26 عاما أصغر وزير خارجية في العالم، لا يظهر الآن الا صامتا وجالسا على كرسي متحرك. وهو مشهد متناقض جدا مع بداية ولايته سنة 1999 حين كان قياديا كثيف الحركة في بلاده والعالم، وخطيبا لا يمل.
وقال لدى توليه الحكم “أنا امثل الجزائر كلها وأجسد الشعب الجزائري”.
ولد بوتفليقة في الثاني من آذار/مارس 1937 في وجدة بالمغرب في أسرة تتحدر من تلمسان شمال غرب الجزائر. وانضم حين كان عمره 19 عاما الى جيش التحرير الوطني الذي كان يكافح الاستعمار الفرنسي.
وعند استقلال الجزائر في 1962، وكان عمره حينها لا يتجاوز 25 عاما، تولى بوتفليقة منصب وزير الرياضة والسياحة قبل أن يتولى وزارة الخارجية حتى 1979.
في 1965، أيد انقلاب هواري بومدين الذي كان وزيرا للدفاع ومقربا منه، حين أطاح بالرئيس أحمد بن بلة.
وكرس بوتفليقة نفسه ساعدا أيمن لبومدين الذي توفي في 1978، لكن الجيش أبعده من سباق الخلافة، ثم أبعده تدريجيا من الساحة السياسية.
– صانع المصالحة –
بعد فترة منفى في دبي وجنيف، فاز بوتفليقة بدعم من الجيش، في الانتخابات الرئاسية في نيسان/ابريل 1999 التي خاضها وحيدا بعد انسحاب ستة منافسين نددوا بما قالوا إنه تزوير.
وكانت الجزائر حينها في أوج الحرب الأهلية التي اندلعت في 1992 ضد الإسلاميين. وخلفت تلك الحرب، بحسب حصيلة رسمية نحو 200 ألف قتيل. وعمل الرئيس الجديد حينها على إعادة السلم في بلاده.
في أيلول/سبتمبر 1999، صوت الجزائريون بكثافة في استفتاء على قانون عفو عن المسلحين الاسلاميين الذين لم يقترفوا جرائم قتل أو اغتصاب وقبلوا بتسليم أسلحتهم. وأعقب ذلك استسلام آلاف الاسلاميين. في 2005، أُجري استفتاء جديد يعفو عن ممارسات قوات الأمن أثناء الحرب الأهلية.
وعمل بوتفليقة الذي اتهمه خصومه بأنه دمية بيد الجيش، على تفكيك نفوذ هذه المؤسسة القوية في الحكم، ووعد بأنه لن يكون “ثلاثة أرباع رئيس”.
وأعيد انتخاب بوتفليقة كل مرة من الدورة الاولى، في 2004 (85 بالمئة من الاصوات)، و2009 (90 بالمئة)، وذلك بعد تعديل الدستور الذي كان يحدّ الولايات الرئاسية باثنتين.
في 2011 وفي خضم أحداث الربيع العربي، اشترى بوتفليقة السلم الاجتماعي بالعائدات السخية للنفط الذي ارتفعت أسعاره إلى أعلى مستوى حينها، عن طريق التقديمات الاجتماعية.
– صحة معتلة –
أثار إيداعه المستشفى لنحو ثلاثة أشهر في باريس في 2013 بعد الجلطة الدماغية التي أصابته، شكوكا في قدرته على الحكم.
لكن وبعكس التوقعات ورغم اعتراضات معلنة حتى داخل الجهاز الأمني، ترشح بوتفليقة ونجح في الفوز بولاية رابعة في 2014 (81,5 بالمئة من الأصوات).
ورغم ضعف صحته، عزز الرجل سلطته، وحلّ في بداية 2016 إدارة الاستخبارات والأمن النافذة بعد أن أقال رئيسها الجنرال الشهير محمد مدين المكنى توفيق.
لكن ولايته الرابعة شهدت تراجعا كبيرا لأسعار النفط، الأمر الذي أثّر كثيرا على الاقتصاد الجزائري المرتهن لعائدات المحروقات.
ورأى المحلل السياسي رشيد تلمساني أنه كان على بوتفليقة “أن يتخلى عن مهامه مع نهاية ولايته الثانية بعد أن أنجز المصالحة الوطنية وكسب قلوب القسم الأكبر من شعبه”.
(أ ف ب)