ثلاثة تطورات رئيسية القت بظلالها، بطريقة او باخرى على اجتماع القمة التشاورية الخليجية التي انعقدت في الرياض اليوم، ويمكن ان يكون لها انعكاساتها على الملفات الثلاثة التي تصدرت جدول اعمالها، وهي الازمة السورية ونظيرتها اليمنية، والعلاقات الخليجية الايرانية.
الاول: اعلان السيد البخيتي عضو المكتب السياسي لحركة “انصار الله” الحوثية “ان الحوار بين القوى السياسية كان جاريا في صنعاء حتى بداية العدوان، ونحن نطالب بالعودة اليه من حيث انتهى، لكن اي حوار آخر في الرياض او غيرها لا يعنينا”، وهذا يعني ان التيار الحوثي لن يلب دعوة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي للمشاركة في حوار بالرياض يوم 17 ايار (مايو) الحالي، لان الذهاب الى الرياض والمشاركة في الحوار قد يفسر على انه رفع الرايات البيضاء وتوقيع صك الاستسلام اعترافا بالهزيمة.
الثاني: ايقاف العمل، وبالتالي الدراسة في كل مدارس مدينة نجران السعودية الحدودية مع اليمن بقرار من ادارة التعليم فيها، وايقاف جميع رحلات الخطوط السعودية الى مطاراتها حتى اشعار آخر، بسبب سقوط قذائف هاون جرى اطلاقها من قبل انصار التيار الحوثي داخل الحدود اليمنية المقابلة، وتهديد العميد ركن احمد عسيري المتحدث باسم “عاصفة الحزم” ان هذا العمل لن يمر دون رد، ربما يوحي بوجود خطط سعودية لقصف اكثر شدة.
الثالث: ارسال الحكومة السنغالية قوات برية تعدادها 2100 جندي “للدفاع″ عن المملكة العربية السعودية، وبعد حديث السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي الجديد عن احتمالات وقف غارات “عاصفة الحزم” واعلان العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز عن مركز اغاثة لليمنيين في الرياض، واي اعمال اغاثة لا يمكن ان تتم في ظل القصف الجوي، وكأن السنغاليين يذهبون الى الحج والناس راجعة.
***
وعندما نقول بأن جميع هذه التطورات متداخلة فاننا نقصد بذلك انه لا يمكن الفصل بين الملفين السوري واليمني لان اللاعبين فيهما هم انفسهم، وحيث يتقاتل هؤلاء بشكل مباشر او بالوكالة.
وما يمكن استخلاصه من كلمة العاهل السعودي الافتتاحية للقمة التشاورية هو ان دول مجلس التعاون وحلفاءها قرروا التصعيد بقوة في الملف السوري لتعويض اي اخفاقات في الملف اليمني، وزيادة الضغوط على ايران في هذا الاطار.
العاهل السعودي كان واضحا في هذا المضمار عندما اكد في كلمته المذكورة والمكتوبة بعناية، وبكلمات قليلة “انه لن يكون هناك اي دور للرئيس السوري بشار الاسد في مستقبل سورية”، واكد السيد خالد العطية وزير خارجية قطر في مؤتمره الصحافي على هذا التوجه التصعيدي، عندما كشف عن مؤتمر مرتقب للمعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض “لوضع خطة لادارة المرحلة الانتقالية لما بعد نظام بشار الاسد”.
التصعيد في سورية، بما في ذلك انتقال مؤتمرات واجتماعات المعارضة السورية الى الرياض الحاضنة الجديدة والاهم، بعد ان تنقلت طوال السنوات الاربع الماضية بين الدوحة واسطنبول، ربما يؤدي الى تصعيد مقابل في اليمن، وبالتحديد على الحدود السعودية اليمنية، واليوم قد يكون المشهد بدأ بقذائف مدفعية هاون ومن غير المستبعد ان يتطور غدا، او بعد غد، الى قصف صاروخي يمتد الى نجران الى جيزان، وربما مدينة ابها عاصمة اقليم عسير، واكد لي هذا الاحتمال مسؤول يمني كبير التقيته في لندن قبل ايام عن طريق الصدفة، فضبط النفس الحوثي قد لا يدوم طويلا حسب رأيه.
هذا التصعيد في الملف السوري بشقيه السياسي (مؤتمر المعارضة المقبل في الرياض)، والعسكري (تكثيف الدعم المالي والتسليحي لها اخيرا، مما ادى الى استيلائها على ادلب وجسر الشغور شمالا وبصرى الشام جنوبا)، وحضور الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند القمة الخليجية التشاورية كأول زعيم اجنبي منذ تأسيس مجلس التعاون عام 1981، كلها تشكل، مجتمعة او متفرقة، جدول اعمال قمة كامب ديفيد التي دعا اليها الرئيس الامريكي باراك اوباما يوم 13 ايار (مايو) الحالي، ورسائل استباقية للرئيس الامريكي.
نشرح اكثر ونقول ان قمة مجلس التعاون الخليجي ارادت من خلال دعوتها للرئيس الفرنسي كضيف عزيز، ان تحذر الرئيس اوباما بأنها بدأت تبحث عن بدائل لبلاده كحليف رئيسي، ومصدر للتسليح، ولذلك لم يكن من قبيل الصدفة شراء كل من دولتي الامارات وقطر، بعد مصر، طائرات حربية فرنسية (رافال) في صفقات تزيد قيمتها عن عشرين مليار دولار.
نستطيع ان نقول، وبكل ثقة، اننا امام صيف ساخن في المنطقة، بل وربما يكون ملتهبا، فـ”عاصفة الحزم” ربما تكون استنفذت اهدافها على ارض اليمن، وبدأت تعطي نتائج عكسية بسبب تفاقم الاوضاع الانسانية، وتدمير البنية التحتية، واغلاق المطارات، وحصار الموانيء، وانهيار الخدمات الصحية والخدماتية، ولا نستبعد انتقالها باشكال اخرى الى سورية، وربما تكون معركة اقليم القلمون الوشيكة اول المؤشرات في هذا الصدد، الاستنزاف في اليمن يمكن ان يوازيه استنزاف في سورية في معركة عض الاصابع الجارية حاليا، فمن سيصرخ اولا؟
***
القيادة السعودية تدرك جيدا، وهي تلجأ الى هذا التصعيد في سورية، ان امامها فترة زمنية لا تتجاوز الشهرين لتحقيق اكبر قدر ممكن من المكاسب، لان ايران ستكون مكبلة اليدين والرجلين معا خلالهما، بسبب تركيزها على مسألة توقيع اتفاق الاطار النووي مع الدول الست الكبرى المقرر في نهاية شهر حزيران (يونيو) المقبل كحد اقصى، وعدم رغبتها في الاقدام على اي عمل يمكن ان يؤثر سلبا على هذا الاتفاق.
الملفات اختلطت، وتداخلت اوراقها، ولكن التطور الاكبر، ان اليمنيين، ربما ينطبق هذا على السوريين من قبلهم ايضا، بدأوا يتعودون على القصف، وكسر الطائرات لحاجز الصوت، وانفجارات الصواريخ، ولم يعد هناك اي شيء يفاجئهم، او حتى يخسروه، مثلما تعايش اللبنانيون من قبلهم مع الحرب الاهلية، واهل قطاع غزة مع القصف الاسرائيلي، بحرا، وبرا، وجوا لاسابيع، ولسنوات عدة ايضا، مع تسليمنا ان هناك فوارق عديدة.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عما اذا كانت الدول الخليجية، والسعودية بالذات، تستطيع تحمل تبعات هذه الحرب وامتداداتها ونتائجها؟ ومقابل ماذا؟ ولأي هدف؟
ربما نعرف الاجابة من خلال تطورات الاسابيع والاشهر المقبلة.
رأي اليوم : عبد الباري عطوان